لاقيني ولا تطعميني ..

العـــــدد 9421

الإثنـــــين 9 أيلول 2019

 

أطباق شهية ومشروبات بنكهات وألوان، محلاة ببعض الكلمات النابضة بقلوب حمراء تحمل على أشرعة رسالة خطية ليس فيها صوت، تصلك عابرة محيطات وقارات في أثير (الواتس آب والفيس بوك) وغيرهما من مواقع التواصل الاجتماعي التي حلت محل الزيارات والواجبات لتفي بالغرض المطلوب وتفرح القلوب، فلم يعد الواحد منا يستطيع القيام بواجب الضيف كما أيام زمان، وتحول ذلك لحمل ثقيل يقصم ظهر راتب سقيم، لتأتي ضربة قاضية عليه ومن جولة واحدة لأجله في الأسواق، حيث نعيش على نبض صرف سعر الدولار، وضغط ارتفاع الشراء وهو ما أثر بارتياح على كافة نواحي حياتنا وعلى جيوبنا الفارغة ونفوسنا لنكون مقصرين ومحجمين حتى عن زيارة نقوم بها لأجل مريض أو أي مناسبة أو عيد يحتاج منا حمل هدية لنطرق وجهنا في الأرض ونمشي في طرقاتنا الوعرة وحيدين بلا رفاق وسلام.

* أبو ديب يتنهد ويتحسر على أيام زمان ويقول: إن الظروف القاهرة وضنك عيشنا دفعنا للركون والسكوت عن القيام بواجباتنا، والتي هي ثقيلة على الضيف والمضيف بنفس الوقت، حيث كنا لا نترك مناسبة أو عيداً أو احتفالاً إلا ونكون له أول الواصلين ولو كان الحمل ثقيلاً مع هدية ببريق ذهب، ونحن متأكدون أننا سنكون بأحضان وابتسامات وضيافة مفتوحة على طاولة متخمة بالأصناف، أما اليوم فلكلانا نقول: يا حرام، مساكين لم يترك لنا هذا الزمان غير الأوجاع والحسرة.
* ويوافقه الرأي ناجي الذي يشتغل يوماً ويجلس في بيته أياماً، يعد حصاها ويأكل ترابها يشير إلى أنه لم يعد يستطيع أن يزور أحداً ولو كان أخاه، إذ لم يعد يشبع عائلته وأولاده الخمسة، فكيف له أن يقوم بواجب زيارة أو ضيافة زائر؟
يقول: كنا نهلل ونفرح لقدوم الأهل والأصحاب وحتى غريب مر ببابنا (ما دام جيت على الحارة، ما تشرفنا بزيارة، فنجان قهوة وسيكارة) حتى هذا الفنجان أصبح من الصعب عليه استحضاره لأجل ضيف حلّ عليه ب (أهلاً وسهلاً)، حيث وصل اليوم سعر الأوقية من القهوة (800- 1200) ليرة ولا تكفي لبضعة أيام تصل أربعة فقط، فالدولار في صعود وطريقه سالك على الدوام، وأحسب أن أقربائي وجيراني يعرفون أني عاطل عن العمل يوم أشتغل وعشرة لا خبز لنا فيها، وأظنهم يعذرونني لكن نفسي لا تطاوعني أن أذهب لعند أحد فجميعنا اليوم في (الهوا سوا) لكن بدرجات.
أم حنين: من المستحيل أن نقطع صلة الأرحام وحتى الأصدقاء مهما صعبت الحال وقيدت أيدينا بقساوتها وجفافها وقصرت عن واجب الترحيب، ومن المعيب أن نذهب لزيارة أحد ويدنا فارغة (أهلاً بالحامل والمحمول) تزيل عكر النفوس وتستبدل الوجه العبوس بوجه يبتسم لتنفرج أساريره عندما يرى شيئاً في يدك والعكس صحيح، وذلك أصبح عليه دين يرده لك في مناسبة تحتفي بها، وإلا تصبح بينك وبينه قطيعة، وبعضنا يحب التخفيف من وطأة زيارة بعضهم ولكن ليس في كل الأوقات، فيأخذ ضيفه لمطعم أو كافيتريا يطلب له الغداء ليوفر الوقت والجهد على أم العيال، كما يقطع عليه التفكير بضيافته لغير بضع ساعات أو ساعتين وليس كما كان لثلاثة أيام فهذا صعب ومحال، في بيت صدره ضاق على أهله ولم يعد قولنا (صدر البيت إلك والعتبة إلنا، وإن ما وسعت الأرض منحطك بعيوننا) يليق بهذا الزمان الذي انكمش وضاق علينا بالأفراح.
أما أم تيم فتقول: إن ساعات يومنا لا تتسع لزيارة عائلية أو حتى استقبال أحدهم فالوظيفة تقضم نصف النهار والباقي منه لا نلحق فيه تدريس الأولاد وأعمال المنزل والطبخ وغيرها الكثير وليست حججاً واهية ولا أعذار إنها تفاصيل حياتنا اليومية التي نشكو منها وقلة الحيلة، ومع التطور الذي نعيشه يكفي أن تتذكر أن لك قريباً وصديقاً وجاراً تطرق بابه برسالة نصية أو صوتية وأن تقوم بأعمالك داخل جدران بيتك بخطوة واحدة ترسل فيها عبارات الود والمعايدة وما تختصر فيه مسافات وزيارة بقلب مفتوح على بوابة الفيس بوك والواتس بكاميرا ليست مخفية تحل أهلاً داخل غرفته، ولم الغلبة في السفر ومصاريفه وتكلفة هدية؟
* الشاب جعفر يؤكد أن ليس له زيارات لمنازل أصحابه، ومعظمها يكون في المقاهي والكافيتريات فذلك أخف عليهم وعلى أهاليهم، فكل منهم يدفع حسابه، أركيلة مع شاي أو قهوة أو حتى سندويش، وإن غاب أحدهم عن شلته فرسالة صغيرة على الواتس تكفي للاطمئنان عليه وسماع أخباره، وما يهزنا على الضحك وأظنه أنه يمكننا أن نقوم بزيارة عائلية وبضيافة كريمة عند مغترب مقيم في أقاصي المعمورة ورسومها عليه غير كبيرة وهي أخف من زيارتنا عليه هنا لكن شرط أن تكون لمدة محدودة وتتجاوز الثلاثة أيام.
* الأستاذ حسن جبور، علم اجتماع أشار إلى أن الإنسان بطبعه اجتماعي، والزيارات العائلية والواجبات الاجتماعية وما يتوجب عليها من هدايا وضيافة مطلب شرعي لتنمية العلاقات الاجتماعية وتقوية أواصر الصداقة وتعزيز المودة، والحجج الواهية حول انشغال الناس بالحياة، لا أعذار لهم و لا تبرر أبداً إحجامهم عن الزيارة والسؤال والقيام بواجب الضيافة حسب الإمكانيات ولو انحسر بفنجان قهوة، فذلك أنفع وأصح ولا يمكن اختصارها في رسالة ومسج على الموبايل أو التقليل منها على الإخوة والأهل وافتقارها لأصحاب أو جيران.
من واجبنا إكرام أي ضيف حل في دارنا وله علينا بعض الواجبات، مهما قدمت من كرم الضيافة فلا غنى عن حسن الاستقبال والتبسم في وجهه والترحيب به بنية صادقة وإجلاسه في مكان يليق به ويرتاح، والمحاولة في إدخال السرور لقلبه وإشاعة البهجة في نفسه والراحة والطمأنينة، واٌلإقبال على وجهه وعدم الإشاحة عنه أو السخرية بحديثه أو إحراجه بكلمة أو تكليفه بعمل، والمبادرة بتقديم واجب الضيافة من شراب وطعام شرط أن لا يتكلف ما يفوق طاقته فالبعض يستلف المال لأجل المباهاة أو يحجم عنها لشح وقلة حيلة لكن لا يكلف الله نفساً غير وسعها (جود من الموجود).
الإنسان بطبعه يحب التعرف والتآلف وبناء علاقات صداقة مع غيره، وهذه الزيارات هي جسور محبة ورابط قوي، ولدت بالفطرة ولا بد من مراعاة واحترام آدابها وقوانينها، هناك زيارات وفي المناسبات تتغير الأمور.
* السيدة نور عبد الله: زيارة الواجب حق علينا جميعاً وخصوصاً المريض لذلك يجب أن تكون قصيرة جداً لترك وقت راحة له ولأهله وهو ما يلزم به وضعه الصحي، وإن استلزم الأمر عدم رؤيته علينا تقبل الوضع والاكتفاء بالاطمئنان عنه، وعدم اعتبار الموقف قلة احترام لنا وبإمكاننا حمل أشياء تساعد في الضيافة أو تقديم مبلغ مادي مهما كان صغيراً قد يكون ثوابه كبيراً وعدم إفشاء سر سمعناه حفاظاً على مشاعره وأحاسيسه.
* السيد صفوان: كثرت المناسبات والزيارات في الوقت الحالي، ولكن في ظل هذه الظروف الصعبة والغلاء وسوء المعيشة وخصوصاً أمثالنا أصحاب الدخل المحدود يجب الحد منها، والتصرف بوعي وحكمة والابتعاد عن المظاهر التي هي على حساب عائلتنا وأولادنا، والاكتفاء باتصال هاتفي ريثما تتحسن الأمور لأن المحبة ليست بالهدايا فقط التواصل الاجتماعي والإحساس أهم بكثير ولكن للأسف هناك أشخاص ما إن تدخل منزلهم حتى ينظرون إلى ما تحمله بيديك وإن كانت فارغة تكون ضيافتك فنجان قهوة على السريع.
* سماهر: واجب الضيافة واستقبال الضيوف أصبح أمراً صعباً في وقتنا الحاضر، وإكرام الضيف بالموجود دون تكلف أو تصنع، وهناك مثل يقول: (لاقيني ولا تطعميني) ومن يأتي اليوم ولا يجد الطاولة مزينة بألذ الحلويات وأجمل ألوان الفاكهة يعتبر نفسه شخصاً غير مرغوب بزيارته متناسين الأحوال الصعبة المفروضة وهذه الأشياء قد تتواجد في الأعياد والمناسبات، أما باقي الأيام فهناك أولويات الحياة وعلينا عدم ظلم أنفسنا والتباهي عند الاستقبال، فأجمل سهرات الأحبة وأطولها على كأس ماء أو زجاجة عصير.

هدى سلوم – معينة جرعة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار