العدد: 9418
الاربعاء: 4-9-2019
وطنٌ تعمّد بالسناء، هل يعتقد أحدٌ أنّ بإمكانه أن يغيّر مسار الضوء عن شبابيكه، أو يحول دون مشاوير المجد على شرفاته؟
نحن، الألى كتبنا بالدم غرّة التاريخ، وجَدلْنا ضفائرَ الشرقِ فوق سارية الأزل، فليأتِنا مَن يشبهنا، أو يمتلك بعضَ ما نملك فسيجد في قلوبنا مطرحاً، ويقرأ في عيوننا وعداً أخضر، فما كانت (أوغاريت) إلا منّا، وما تخلّينا عن أبجديةٍ أنارت أعماقَ أممٍ، ولا عن موسيقا جلجلت كما الرعدُ يزفّ المطر..
نحن الألى عتّقنا الروح من أجل وطنٍ، جنّدنا الأماني سراجاً إذا ما هبَّ ظلامٌ، وأقسمْنا: كلّنا للوطن.
نُشهرُ أقلامنا، نحتضن كتبنا، نسابق الدربَ، نغنّي مع الشاعر سليمان العيسى: عدنا، عدنا بدفاترنا، بأغانينا وأناشيدنا، البسمة في شفتي، ما أحلى مدرستي!
نحن هكذا، (نحبّ الحياة لنا ولغيرنا)، كما قال القائد المؤسس حافظ الأسد طيّب الله ثراه، فماذا حملتم لنا تحت راياتكم السوداء؟ أأغاظكم طفلٌ علّق حقيبته على ظهره (فعادَ، عاد مستشهداً، فبكتْ أمّه دمعتين ووردة، ولم تنزوِ في ثياب الحداد)، ما أحزنها أنه لم يلحق أن يتناول سندويشته، ولم يتركه الحقدُ ليكبر، فيُشهر وعيه بوجه جهالتهم!
نحن نعلّم أولادنا كيف يبنون وطنهم، وكيف يدافعون عن الحياة، وهم يقدّمون أنفسهم (قدوة سيئة) ويعلّمون أبناءهم القتلَ.
*****
اليوم الأربعاء، ثالث أيام العام الدراسي 2019-2020، والأرقام تتحدث عن نحو (3.6) مليوناً من أبنائنا توجّهوا إلى المدارس، وأكثر ما يثلج الصدر هو أنّه حتى في المناطق التي حرّرها أبطال جيشنا قبل ساعات من بدء العام الدراسي استقبلت المدارس روّادها..
منذ أن لوّث الإرهاب هواءنا، وحاول أن يغرز مخالبه في ترابنا، كان حرصنا كشعب ومؤسسات دولة، أن تستمر العملية التربوية والتعليمية فاستمرت، ولم تستطع كلّ العراقيل أن توقفها، لا نتحدث عن حالة مثالية تعيشها، لكننا نتحدث عن رهان أراد إسقاطها فسقط..
في عموميات المشهد..
بإمكاننا أن نجلد أنفسنا بـ (ألف ملاحظة وملاحظة) على العملية التربوية، وأن نقيم الدليل والحجّة على كلّ حالة، فنرتمي بحضن اليأس متخلّين عن (النصف الملآن) من الكأس، ومستسلمين لـ (وهن) لم تنجح بنادقهم الحاقدة أن تزرعه فينا، ولا نطلب هنا من أحدٍ أن يقفز فوق الواقع أو يجمّله، بل على العكس، فكلّما التصقنا بهذا الواقع، كلّما اكتشفنا قيمة ما أنجزناه في هذا الخصوص، والـ (ألف ملاحظة وملاحظة) هي الدليل، مع التذكير أنّ العملية التربوية ليست مدرسةً ومدرّساً وقلماً فقط، بل هي طالبٌ وأهلٌ وإمكانيات، وفي جانبي المعادلة كان التحدّي، وكان النجاح بنسب مختلفة..
في عموميات المشهد، ما زالت المدارس الحكومية تستقطب أكثر من 90% ممن هم في سنّ التعليم، وما زال التعليم مجانياً (والمصاريف التي تُدفع لا تعدو عن كونها نثريات، ولا تنزع عن التعليم الرسمي مجانيته)، والنوافذ المفتوحة هنا، أو الزجاج المكسور هناك، ولا الاضطرار إلى نظام الدوامين، أو حشر أربعة تلاميذ في مقعد واحد، ولا حتى المبالغة في الدروس الخصوصية أو الحديث عنها يلغي الدور المهم لمدارسنا، أو يحرفها عن رسالتها، ومن قال إنّه قبل الآن لم تكن هناك ملاحظات؟
وفي عموميات العملية التربوية أيضاً، فإن سقوط بعض (الأساتذة) في إفلاسهم الأخلاقي والوظيفي لا يجوز تعميمه، وما زال (البناة الحقيقيون) على دورهم المرجو منهم.
في الوجع..
عندما يُهدَر أسبوع أو أكثر في توزيع الطلاب على الشعب، ووضع البرنامج الأسبوعي وتعديلاته رغم وجود الأسبوع الإداري فتلك مشكلة..
وعندما لا يحضر 90% من الأهالي مجالس الأولياء بينما يكثر حضورهم من أجل نقل أولادهم من شعبة إلى أخرى فهذه مشكلة أيضاً..
وعندما تلدُ المعلمات إلا خلال العام الدراسي (لا يوثقن الولادات إلا خلال العام الدراسي ولو اضطررن لاستئجار اولاد حديثي الولادة) فهذا أكثر من مشكلة..
هو بعض الوجع وليس كلّه، وهو بعض الـ (ألف ملاحظة وملاحظة)، نسردها على أمل أن يتمّ العمل على تجاوزها تدريجياً..
على رفّ من أمل
منذ بضع سنوات ووزارة التربية تعمل على (تطوير مناهجها) وآليات أدائها، والحكاية لدى كثيرين غير محببة، والتجربة بحسب كثيرين أيضاً لا تمتلك أدواتها، والبنية التحتية للكثير من مدارسنا غير قادرة على استيعاب هذا (التطوير).
على هذا الرفّ من الأمل نجزم أن لا أحد يعارض استعادة الدور الريادي لمدارس الدولة، ولا أحد مع تمدد كلّ ما هو خصوصي، وعلى هذا الأساس نكثر من (النقّ) فيما يخصّ مدارسنا، ونعيد تسليط الضوء على واقعها، ونستغرب (التطنيش) حيالها.
وعلى رفّ الأمل أيضاً، سيبقى المدرّس في نظرنا (كاد أن يكون رسولاً)، وعلى هذه الجزئية تحديداً فإن العمل المطلوب أكثر من شاق، فلا يكفي أن نلوم المدرّس ونطالبه فوق طاقته، يجب أن نساعده ونؤمن له ظروف عمل مناسبة ومشجّعة، وأن نقف إلى جانبه داعمين مادياً ومعنوياً، وأن نوفّر له الوسائل المساعدة، ونغلق في وجهه مسارب الإهمال أو الذهاب إلى الدروس الخصوصية..
أبناؤنا، يجب أن يحملوا معهم تربيتهم المنزلية إلى المدرسة، فلا يشذّون عن هذه التربية، ولا يتحولون إلى أشخاص آخرين من حيث الالتزام بقواعد النظافة والانضباط والتعامل مع المعلم والزملاء.
وعلى رفّ الأمل أن تستقر وزارة التربية على منهاج عادل ومنصف وقريب من الواقع، وألا تستمر التعديلات عليه حتى ينجح المعلمون والأهل باستيعابه ومساعدة أبنائهم بدل اضطرارهم للذهاب إلى الدروس الخصوصية التي لا يستطيع الجميع النهوض بأعبائها المادية.
متفرقات تربوية . .
لسنا بصدد تقييم العملية التربوية، لأن ذلك بحاجة إلى مجلدات، ولكننا نمرّ على بعض الإشارات فيها كوننا في الأيام الأولى من العام الدراسي 2019- 2020، ونريد من خلال ذلك التأكيد على بعض النقاط اللافتة، والتي نسعى لتعزيزها..
* من يقترب من اهتمام الأهل بتعليم أولادهم رغم كل المعيقات والظروف الصعبة سيتذكّر (إن غاب عن باله) إنه فعلاً في الجمهورية العربية السورية، وإنّه فعلاً في بلد يدرك قيمة العلم، وأهمية أن يحصّن أبناءه بهذا العلم، مهما قست الظروف أو تلبّدت الغيوم..
* هل كان للعملية التربوية أن تستمر لولا بطولات وتضحيات جيشنا العقائدي؟
الجيش العربي السوري هو عنوان كلّ ما هو جميل في وطنناُ ولأفراده المخلصين جميعاً نقول: حماكم الله رجال العزّ، حماكم الله أيها الأسود الميامين، معكم ومن خلفكم سنتابع بناء مستقبل سورية المطرّز بالعلم والمعرفة.
* عندما نقرأ أن بعض أسعار الشقق الحديثة في مشاريع الإعمار التي تحظى بدعم يصل إلى (200) مليون ليرة، ونقرأ أنه في محافظة اللاذقية (99) مدرسة مستأجرة، ونقرأ أن رجل الأعمال الفلاني دفع مليار ليرة لـ (كرة القدم) أو أنفق مليارات في مسابقات (خلبية) من أجل الدعاية، فإنّ أكثر من وجع يجري في عروقنا!
* إعادة تأهيل وترميم المدارس وإشادة مدارس جديدة أهمّ بكثير من مشاريع (ترفيهية) ولكن!
* يترتب علينا كأهل وكمجتمع محلي الكثير من الواجبات حتى تستعيد العملية التربوية ألقها أهمّها الاقتناع بها وبمن يقودها وزرع هذه القناعات في نفوس الأبناء لأن ما يحصل الآن هو العكس!
* الحديث عن عودة أو إعادة مادة التربية العسكرية هو حديث قابل للنقاش، والقياس هو الفيصل بين وجودها من عدمه!
* التربية الدينية.. مادة متعبة دون جدوى، إما إلغاؤها أو اعتمادها ضمن علامات القبول الجامعي إنهاءً لعقود من الجدل حولها.
* دوام بعد الظهر مشكلة حقيقية وخاصة في فصل الشتاء.. نعرف أن الظروف فرضت هذا الأمر أو على الأقلّ زادت من حدّته، ولكن هذا لا يبرر الا نفكّر بالحلول.
* الحقيبة المدرسية وما تثقله على كاهل أبنائنا مشكلة مزدوجة الاتجاه، فالمطلوب من المدرسة كثير، و(الزوادة) تكمل الحكاية.
باختصار
فرحنا كثيراً باستمرار مدارسنا على دورها طيلة سنوات الحرب التي فُرضت علينا، وفرحنا أيضاً لنجاحنا في هذا الرهان، واستطعنا تقبّل الظروف الصعبة التي أحاطت بالعملية التربوية، لكن هذا لا يعني القبول باستمرارها وقد اتجهت بلادنا نحو الأمان الكامل وبدأت مرحلة إعادة الإعمار..
عودة الذين أُجبروا على مغادرة مدنهم إلى مدنهم يفترض أن تخفّف من قسوة الواقع في مدارس المدن التي استقبلتهم لكن وبكل صراحة حتى الآن لا تبدو الفوارق واضحة، ومازالت المعاناة نفسها تقريباً..
الحديث المستمر عن إنشاء مدارس وإعادة تأهيل غيرها ايضاً لم يترك آثاراً واضحة..
نأمل، ويجب أن تُخصص ميزانيات خاصة لإعادة تأهيل أو بناء مدارس جديدة وبخطوات متسارعة بحيث لا يبدأ العام الدراسي 2020-2021 إلا وكلّ شيء على ما يرام.
تحية للفرح في عيون أبنائنا التلاميذ، وتحية للجيش التربوي الذي لم يتخلَّ عن رسالته، وكلّ الإجلال والتقدير للجيش العربي السوري زارع الحياة في كل مكان، وكل عام ووطننا وقائدنا وشعبنا بألف خير، متمنين لجميع أبنائنا النجاح والتميّز والتفوق.
غـانـم مـحـمـد