العدد: 9417
الثلاثاء :3-9-2019
يقال: إنقاذ الذاكرة ربما هو أصعب من إنقاذ المدن، شعور جميل يعتريك وأنت تفكر بمحتوى هذا القول، وكم من الأشياء تمر كريحانة في البال توقظ ما كان ساكناً فين، تشدنا من يدنا وتراقص جناحي اللهفة في داخلنا! كل مرة وفي كل مرحلة من مراحل العمر نعتقد أننا ودعنا أشياء جميلة ونتمنى لو استطعنا الاحتفاظ بها أطول وقت ممكن، نرثيها بصمت ونخبئها كوردة في معطف القلب، ونشتري من الدنيا وعداً بأننا لن ننساها ما حيينا، في منتصف العمر نبدو كمن يحارب بأحلامه طواحين الهواء، نرسم بيوتاً بجدران ناقصة، وفراشات دون بريق، وشوارع يكسوها ثلج القلب، وأراجيح مكسورة، ومكاتب عمل لم نتمنَ دخولها يوماً لأنها لم تكن ضمن رغباتنا المستقبلية، وأرقام هواتف لم يعد أصحابها على قيد الحياة، وأحلاماً طويناها في كتب الخيبة، وحدها الذاكرة ترمم ما تصدع بفعل الزمن وتعيد رسم الأشياء على طريقتها، هي لحظات غريبة نتمنى فيها لو يصيبنا (زهايمر مؤقت) ننسى فيه إساءة أشخاص أحببناهم وكانوا وطناً وملاذاً دافئاً، ننسى الحروب والويلات وبشاعة كل ما يحدث من قتل لإنسانيتنا وتشويهها، ننسى أننا أهملنا ورود القلب وتركناها تموت وحيدة هناك في صحراء الربع الخالي من الروح!!
إنقاذ الذاكرة رياضة روحية نمارسها بين حين وآخر، ونحتاجها كي نجمع شتات أحزاننا وأفراحنا، وكأننا لم نكبر يوماً، ولم نتكئ على عكاز الوقت!
منى كامل الأطرش