الوحدة – وداد إبراهيم
يمتلك رصيداً مالياً، وبحالة حيرة بماذا سيستثمر ليضاعف أمواله؟ أو تبحث عن مشروع العمر بعد سن التقاعد أو قبله لتشغل نفسها ووقتها، وتستثمر ماجمعته من مال بالغربة والسفر أو بطريقة ما؟
إن أطلقت كلمة ( وجدتها) كما اكتشف نيوتن قانون الجاذبية، واخترت الاستثمار بمشروع إحداث روضة لتحقق ربحاً مالياً لتصل إلى الثراء دون هدف آخر يعادل الربح فما النتيجة؟
إنّ من أخطر وأصعب الاستثمارات الاستثمار بالإنسان، والأخطر في مرحلة الطفولة المبكرة من ثلاث إلى خمس سنوات، والتي أجمع الخبراء وعلماء النفس على أنها سنوات تشكيل وبناء شخصية الإنسان.
واقع رياض الأطفال يثير الجدل، ويكشف الخلل في تحقيق معادلة الربح وتشكيل وبناء شخصية الطفل وفق معايير عالمية والأساليب التربوية الحديثة، لتظهر المنافسة بين 276 روضة في محافظة اللاذقية تعمل على استقطاب الاطفال.
إذا نظرنا لها كتجارة قد نجد هناك حيتان يبلعون السمك الصغير يدعمهم رأسمال كبير ليصرف ببذخ باختيار المكان والمساحة، واستيراد الأدوات والوسائل التعليمية على حساب هدف بناء شخصية الطفل والتركيز على المظاهر، بينما هناك رياض أطفال على وشك الإغلاق بسبب الموقع وضعف الإمكانات المادية وغيرها المساعدة للاستمرار بقوة.
المنافسة الحقيقية حق مشروع لروضة تميزت، وأثبتت جدارة وقدرة عبر سنوات، وكسبت ثقة ومصداقية، ونجحت بعملها لتحقق معادلة الربح المعقول وبناء شخصية الطفل بعلم ومعرفة، بينما رياض أطفال أخرى في محيطها الجغرافي القريب أو البعيد تنتظر بترقب اكتمال العدد لديها ليأتيها الفائض، أية ثقة هذه باستثمار فاشل؟
ترخيص رياض الأطفال والإشراف مسؤولية وزارة التربية حصراً
أكد الأستاذ رائد زهرة رئيس دائرة التعليم الخاص في مديرية تربية اللاذقية أنه وفقاً للمرسوم 55 لعام 2013، وتعليماته التنفيذية لعام 2016 لايحق لأي جهة في سورية أن تفتتح منشأة تعليمية، أو تقدم خدمات تعليمية إلا من خلال وزارة التربية حصرياً، وذلك لحصر الإشراف والمتابعة عبر الإشراف على كل التفاصيل من قبل مشرف إداري تربوي هو الموجه الاختصاصي حسب المناطق التعليمية والإدارية، وتتم متابعة عمل رياض الأطفال بالمحافظة، حيث بلغ عددها 276 روضة موزعة كالتالي في مدينة اللاذقية 94 روضة، منطقة اللاذقية 69 روضة، منطقة جبلة 85 روضة، منطقة الحفة 9 رياض، ومنطقة القرداحة 19روضة، لافتاً إلى أن المطلوب من إدارات رياض الأطفال تقديم تقرير شهري يشمل الجانبين التربوي والخدمي، ولكل روضة إضبارة في الدائرة.
وفيما يخص الأقساط لرياض الأطفال أوضح زهرة: تحدد الأقساط وفق التصنيف من الفئة الأولى إلى الرابعة، وحددت لكل فئة مجموعة من النقاط مثال: إذا أخذت درجة تصنيف رابعة، وحددت ب 80 نقطة، تضرب النقطة بمبلغ 45 ألف ل.س، ليكون المجموع هو القسط، هنا يظهر الاختلاف بين الرياض بقيمة القسط، وهذا في إطار الجانب الخدمي، ويبقى خيار النقل يعود لصاحب الروضة، علماً أن الأقساط في المحافظة تتراوح بين 2 مليون و 5 مليون دون النقل بينما تحدد الوزارة القسط التعليمي.
واستدرك زهرة لافتاً إلى أن التصنيف الذي وضع على مستوى سوريا يكشف خللاً وشرخاً أحدث فروقاً بين دمشق وحلب وباقي المحافظات، إنّ أقل قسط لروضة في دمشق هو أعلى من أعلى قسط في اللاذقية مع النقل، علماً أن أعلى قسط لروضة في اللاذقية يصل إلى 17 مليون ل.س، بينما نجد في دمشق قسطاً تجاوز 40 مليون ل.س.
وحول المناهج المعتمدة في رياض الأطفال أوضح زهرة: يتم تدريس منهاج وزارة التربية، إضافة إلى المناهج الإثرائية بعد الحصول على موافقة وزارة التربية.
ورداً على سؤال حول المخالفات، وكيف يتم التعامل معها؟ بيّن زهرة أن المخالفة تبدأ من الإنذار إلى التعويض مقابل الضرر غرامة مالية، وصولاً إلى إشراف مؤقت مباشر لمدة عام ويمدد لتنتهي بإلغاء الترخيص.
ونوّه زهرة إلى دور وسائل التواصل الاجتماعي في نشر أي خلل أو مخالفة تحدث، وهذا عزز رقابة غير مباشرة ومتابعة للشكاوى، مؤكداً أن ما تم ترخيصه بعد عام 2016 يحقق الشروط والمعايير المطلوبة بإشراف التربية.
العام الدراسي الجديد يحمل تحديات للأسر وأصحاب رياض الأطفال
في جولة على مواقع رياض أطفال في مدينة اللاذقية بأحياء متعددة سيدهشك موقع ومساحة روضة وتفاصيل الهندسة المعمارية في تصميمها، والأدوات والوسائل التعليمية والترفيهية داخلها، فيما تقف مشدوهاً أمام مواقع وتتساءل باستغراب: كيف حصلت هذه الروضة على ترخيص بشروط غير لائقة لهدفها ومهمتها ومسؤولية بناء شخصية طفل في شروط غير ملائمة؟
اقترب العام الدراسي الجديد، وفتحت رياض الأطفال أبوابها لاستقبال الأطفال و تسجيلهم.
خلال حوار مع صاحبة روضة لديها خبرة سنوات في العمل تقدم منها شاب وعرف عن نفسه وهو يدرس في كلية الطب، وألقى التحية عليها، واستفاض في الحديث عن أثر هذه الروضة بتشكيل وبناء شخصيته وذكريات سعيدة لا تمحى.
أما السيدة مارلين بسام عمران مديرة روضة زين الشام بموقعها في بسنادا تقف حائرة بين الاستمرار في عملها أو قرار التوقف عن استقبال الأطفال هذا العام وإغلاق الروضة، وذلك بسبب انخفاض غير مسبوق بعدد الأطفال الذين تم تسجيلهم لديها هذا العام، حيث لم يتجاوز 15 طفلاً، بينما سابقاً كان يتجاوز 40 طفلاً، وردت السبب إلى الظروف الاقتصادية الصعبة والوضع المادي المتردي لأسرة فقدت معيلها، أو لعائلة الأب موظف فيها والأم لاتعمل، وهم في صراع أمام أولويات هموم معيشية، هذا إن لم يكن الأب بلا راتب في أحياء شعبية يلعب فيها الموقع دوراً مؤثراً، واستدركت مارلين قائلة: أنا درست رياض الأطفال في الجامعة، وعملت في أكثر من روضة، وسعيت لتحقيق مشروع عمري لإحداث روضة ونجحت، وعملت على تجهيزها بشكل احترافي بالمساحة والوسائل والأدوات، مع حبي للأطفال وسعادتي وشغفي بعملي.
بينما السيدة زكاء ساحللي مديرة روضة الحسام بموقعها في توسع المشروع العاشر تتابع عملها بنشاط بعد ترخيص حديث لروضة تم تصميمها معمارياً بشكل إبداعي بالمساحة والفراغات لتحقق الشروط الصحية، وعملت على استخدام الوسائل والأدوات الحديثة، واتباع فلسفة (مونتيسوري) لتقديم أفضل تجربة تعليمية للطفل، وتأمين بيئة تفاعلية مثالية ليكتشف الطفل مهاراته، وينمي قدراته الإبداعية والمعرفية واللغوية.
وبالنسبة للمنهاج نقوم بدمج منهاج الوزارة مع منهاج السباعي الإثرائي
هل الشهادات الجامعية معيار لنجاح معلمات رياض الأطفال بعملهن؟
معايير اختيار معلمات رياض الأطفال تختلف بين إدارة وأخرى، السيد مارلين بسام عمران تفضل أن تحمل المعلمة شهادة جامعية مع تمتعها بالصبر ومحبة الأطفال، وتخضعها لاختبار لأكثر من أسبوع، بينما زكاء ساحللي مديرة روضة الحسام تركز على أن تكون المعلمة شابة ولديها طاقة إيجابية وقادرة على التواصل مع الأطفال بحب وسعادة، ويفضل أن تحمل شهادة جامعية. لكن صاحبة روضة تحفظت على ذكر اسمها قالت: بعد خدمة سنوات طويلة تحولت لطلب مهندسات تخرجن حديثاً، بناء على نظرة تكشف المهارات العقلية للمهندسين وتوظفها في المكان الصحيح واستخراج أفضل ما لدى المعلمة بالتحدي، وذلك بعد اختبار لمدة شهر.
أما السيدة بشرى يوسف صاحبة نادي بيت بيوت اخترقت التحديثات وخالفتها لتكشف عن تفوق شابة عملت معها لاتحمل سوى شهادة الثانوية العامة، لكن حبها للأطفال وشغفها بالعمل معهم وقدراتها الإبداعية، وحب الابتكار جعلها تنجح بتصدر قائمة المعلمات.
وفي لقاء مع المعلمة مها رأت أن مديرة الروضة هي القدوة للفريق العامل معها من خلال ترجمة خبرتها ومعارفها حول عالم الطفولة وأسلوب إدارة العمل باحتراف وإتقان وثقافة ومعرفة لتطوير العمل، ومن خلال عملها كشفت مها عن رفضها رمي الكرة في ملعب الروضة لتشكيل وبناء شخصية الطفل متفردة، وتنصل الأم من مسؤوليتها الحقيقية تجاه تربية طفلها ليدخل الروضة، وأضافت: كي نأخذ أفضل النتائج يجب تحقيق تشاركية بين دور الأم في السنوات الأولى مع دور الروضة، لافتة إلى أن هناك مراكز تثقيف الأمهات لتربية الطفل أو على الأم أن تستثمر التكنولوجيا للعلم والمعرفة في هذا المجال لا للتسلية، وكلما تثقفت الأم بتربية الطفل يرتفع وعيها تصاعدياً بتقييم اختيار روضة مناسبة لطفلها ولاتُخدع، وعندها يتحقق التكامل بين دور الأم والروضة، سيما مع انخفاض عدد الأطفال في العائلات، وهنا لاننكر دور معلمة الروضة، خصوصاً وأن الطفل يتسرب إليه شعور المعلمة لاشعورياً، فالتعلم ليس بالكلام بل بالمواقف وأسلوب التواصل، والتشاركية مع الأم وبيئة الطفل.
لا نجاح لدور الروضة دون التكامل مع دور الأم
عندما بدأ دور الجدة والمقربين بالتراجع في المشاركة بتربية الطفل مع استقلالية الأبناء بسكن خاص، ودخول المرأة سوق العمل في القطاعين العام والخاص لمشاركة الرجل أعباء الحياة بسبب ظروف اقتصادية ضاغطة، أو عن قناعة لإثبات حقها بالعلم والعمل، فيما قوانين وأنظمة العالم الثالث لاتساعد المرأة برعاية الطفولة والأم كالدول المتقدمة ظهرت رياض الأطفال، ولاحقاً انضمت الأم غير العاملة للبحث عن روضة لطفلها مع ماتثيره الأسباب من جدل بين العدوى أو إبعاد الأطفال عن وسائل التكنولوجيا من ألعاب وغيرها، وربما البحث عن راحتها أو الرغبة الحقيقية في تشكيل وبناء شخصية الطفل بمساعدة خبراء ومدربين في بيئة آمنة وصحية، وتعتمد أفضل المعايير وأساليب التربية.

