“الكلمة مسؤولية وجمال” حوار مع الشاعر نعيم علي ميا: القصيدة مرآة للواقع ونافذة للحلم

الوحدة- رنا عمران

يظلّ الشعر أحد أنبل وأصدق أشكال التعبير الإنساني، خاصة حين ينبثق من روح شاعر يكتب من الداخل، ويصوغ كلماته بنقاء التجربة وعمق الرؤية.

وفي هذا اللقاء، نقترب من تجربة شاعر متميّز ترك بصمته الخاصة على المشهد الأدبي العربي، واستطاع من خلال لغته الكثيفة ورؤيته المتجددة أن يجعل من قصيدته صدى للواقع ونبضاً للحلم.
نفتح اليوم صفحات من مسيرة الشاعر نعيم علي ميا، ونحاوره حول محطات مهمة في تجربته الشعرية، ورؤيته للفن، واللغة، والحياة.

* ما القصيدة أو النص الذي شكّل نقطة تحوّل في مسيرتك الشعرية؟ ولماذا؟
كلّ نص جديد أكتبه هو تحوّل جديد في الرؤية والرؤيا.
فالنصّ، في جوهره، خطوة إلى الأمام، وتجديد في الأفق، وانفتاح على رؤى جديدة.
لهذا، لا أرى نقطة تحوّل واحدة، بل أرى أن كل قصيدة تُكتب بصدق تمثل لحظة وعي جديدة.

* هل تأتي القصائد من تجارب شخصية؟ أم أنك تستلهمها من العالم من حولك؟
الشعر بالنسبة لي نهج حياة وسلوك يومي.
لا يمكن للشاعر أن يكون شاعراً هنا ولا يكون هناك.
الشاعر إمّا شاعر في كل شيء، أو لا يكون.
وتفاعله مع محيطه يُغني تجربته ويجعلها أكثر عمقاً وتطوراً، لكن لا شك أن الذات تلعب دوراً أساسياً في هذا التفاعل.

* هل تميل إلى نوع معيّن من الشعر؟ غزلي، وطني، فلسفي، اجتماعي…؟
الشعر الحقيقي لا يُصنَّف بنوعه، بل بفكرته، بلغته، بمعرفته، وبمقدار الحياة التي يحويها. قد تجد في قصيدة واحدة أبعاداً وطنية، وغزلية، وفلسفية، واجتماعية.
فالشعر، في جوهره، لغة تكثيف.
ويجب أن ندرك أيضاُ أن تلقي الشعر يختلف من قارئ لآخر، وسماعه يختلف عن قراءته… وهذا ما يجعل الشعر فناً متعدد الأوجه.

* حدّثنا عن مشاركاتك في المناسبات والمهرجانات الشعرية. كيف أثرت فيك؟
كلّ مرة أُدعى فيها للمشاركة، أسأل نفسي: ماذا سأقدّم؟
وعندما أقف على المنبر، أجد نفسي أمام جمهور متعطّش لسماع المختلف والجديد، ما يجعلني أشعر بمسؤولية أكبر، لأن الجمهور الشغوف يستحقّ قصيدة تليق بتوقه.
تجربتي مع المهرجانات زادتني احتراماً للمتلقي، ودفعتني لأن أكون أكثر التزاماً وجديّة تجاه ما أكتب.

* كيف تستقبل ردود فعل الجمهور على أعمالك؟ وهل تؤثر على نظرتك لما تكتب؟
بلا شك، يسعدني أن أرى المتلقي قد وجد ما يبحث عنه في قصيدتي.
ردّة الفعل الإيجابية تُشعرني بالرضا، لكنها في الوقت ذاته تحمّلني مسؤولية أكبر تجاه القصيدة القادمة.
فما قُدّم قد انتهى، والآن حان وقت تقديم الأفضل، الأجمل، بشرط أن يكون الأجود.

* متى أدركت أن الشعر سيكون جزءاً أساسياً من حياتك؟
الشعر لا يُقرَّر، بل يُولد مع الشاعر.
هو طريقة تفكير، وابتكار لغوي، ورؤية للحياة.
هو ما نراه، ونشعر به، ونتخيّله، ونحلم به.
حياة الشاعر، في معناها العميق، هي شعره.

* هل تعتقد أن الشعر قادر على إحداث تغيير حقيقي في المجتمع؟ كيف ترى دوره؟
نعم، فالشعر يُسهم في تنمية الذائقة الفكرية واللغوية والجمالية.
هو فنٌ يسعى، كما تسعى كل الفنون والأديان والفلسفات، إلى تجسيد ثالوثه الخالد: الحق، الخير، الجمال.
ومن خلال هذا الثالوث، يمكنه أن يكون أداة وعي ونهضة وتنوير.

* كيف تتعامل مع النقد، سواء كان بنّاءً أم هجومياً؟
النقد مهم جدّاً إذا كان مبنياً على قراءة واعية ومدركة، فإنه يشبه دفة السفينة بيد ربّانها، يوجّه المسار ويُسهم في تصحيح البوصلة.
لكن النقد يحتاج أيضاً إلى من يفهمه، ويربطه بالنصّ، لا بمن كتبه فقط.

* من هم الشعراء أو الأدباء الذين تأثرت بهم؟ وهل أثّرت تجربتك الشخصية على كتاباتك؟
لا يمكن حصر الشعر في اسم أو اسمين.
كل شاعر هو عالم بذاته، وكل قصيدة هي هويّة لكاتبها.
بالتأكيد، هناك تأثيرات، قد تظهر في المفردة، أو الصورة، أو الفكرة…
كما أن تجربتي الشخصية حاضرة دائماً، حتى وإن كانت مستترة أو رمزية.

* ما المشاريع الأدبية التي تعمل عليها حالياً؟
أعمل حالياً على إصدار جديد تأخر قليلاً عن موعده، يتناول التجربة الإنسانية بتفاصيلها المتعددة، خاصة الحب، كونه المحور الأساس في وجود الإنسان.
فمن لا يحب نفسه، كيف له أن يُحب الآخر أو يُدرك جوهر الحياة؟

* كيف ترى مستقبل الأدب والشعر في ظل التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي؟
رغم التطوّر الكبير في وسائل التواصل، ستبقى للشعر مكانته الخاصة التي لا يمكن أن تُنتزع منه.
فالشعر يحتاج إلى شاعرٍ يكتبه بإحساس، ويقرأه بروح، على جمهورٍ يتوق إلى ذلك الحبل السرّي الذي يربط بين الشاعر والمتلقي عند إلقاء القصيدة.
وسائل التواصل قد تكون أداة نشر، لكنها لا تُغني عن حرارة التفاعل الإنساني الحيّ الذي يُولَد مع الكلمة ويكتمل في حضرة من يصغي لها بشغف.

تصفح المزيد..
آخر الأخبار