العدد: 9410
الخميس : 22-8-2019
مدخل وسؤال المصطلح: متى تكون القصيدة شعرية؟ ومتى تتحقق للشعر غنائيته؟
سؤالان لطالما شغلا النقد عبر منهجيته التعبيرية الانطباعية وكذلك النقاد بتتبع العناصر الدرامية وصهيل المشاعر في التجارب الشعرية في فترة السبعينات وما بعدها من هذا القرن وصولا إلى شعر الحداثة وماتلاه أي ما اصطلح عليه الشعر الحر وتجلياته شعر التفعيلة والقصيدة النثرية. ..ولعل الغنائية من أكثر الملامح بروزاً في قصيدة ما بعد الحداثة. ..والشعرية مما يحرص الشاعر على أن تتوافر في نصه ولكن دون الالتزام بعمود الشعر كما في القصيدة الجاهلية. .
ولكن ما الغنائية؟ وكيف تتجلى في التجربة الشعرية؟ وما الشعرية وما مؤشراتها في القصيدة؟ الشعر الغنائي هو الشعر الوجداني الذي وجد لغايات لها علاقة بالمشاعر الخالصة وما يشعر به الإنسان من الفرح والحزن والحب والكره وغير ذلك. ..
يقول الناقد عبد اللطيف الوراري: «إن مفهوم الغنائية في الشعر شأن المفاهيم الأكثر شيوعاً واستخداماً، .يكتنفه اللبس والغموض وقد وجدنا بأن تعريف الشعر الغنائي هو مجموع القصائد الشعرية التي كانت ترافقها القيثارة».
أما الشعرية ونظريتها العربية فهي القوانين والمكونات التي تتألف منها القصيدة، قديماً عمود الشعر، والشعرية حديثاً، ولكن مفهوم الشعرية العربية لم يظهر في الدراسات النقدية فجأة، فالتجديد في الشعر تجاوز حدود الزمكانية في القصيدة. .أو الشعر بكليته كما جاء في موسوعة (وزي وزي)…
والسؤال: ما علاقة كل هذا بما بين أيدينا من قصائد كتبها الشاعر سهيل درويش وأودعها في ديوانه المسمى عشق…الصادر عن مؤسسة سوريانا بطبعته الأولى 2019؟ والجواب سهل وسنتعرض له في سياق تقديمنا للكتاب، وقصائده التي يشدها خيط متين كالسبحة ونقصد العشق. .كمصدر للفعل الماضي الثلاثي عشق ،والشاعر درويش هو الفاعل العاشق. .أما المعشوق أو المعشوقة فإنه الوطن، ودمشق والحبيبة والمرأة وسورية والشهيد والشهادة وياسمين الشام،وحاراتها القديمة وبحرها. .سؤددها ومجدها وأصالتها، وربما جبلة مسقط رأسه قائلا:
جبلة الروح خذيها. .
لاتبالي إنه النسرين يفديك عيون، .ص 32
وهو عندما يعايد شامه يخبرها. .
كل عام أنت شامي. …
نجده ينشد غناءه الجميل للوطن وباسمه الأحلى . . الشام . .
كل عام ياشآمي . .
أرشف الوجه الأنيق. .
أجعل الورد نبيذا . .
وعقيق. .
وأغني . . وأنادي ياشآمي . . ص170
إنه يغني للشام، وهل أحلى من الشام بلداً، وأغلى منها مجداً؟
يتألف الديوان من سبع وسبعين قصيدة أو أغنية كما يروق لي تسميتها و ماهذا إلا لرشاقتها وحلو موسيقاها وروعة إيقافها موزعة أو مسفوحة كالعطر على مدى سبع بعد المئتين من الصفحات. .زينت غلافه لوحة للفنان عبد العزيز الرفاعي تمثل فرسا لعلها إشارة إلى الأصالة. .المرأة. .الأنثى. .ذات الحضور الغالب في عشق ..كعتبة نصية تشي بما في دفتي الكتاب من قصائد وجدانية غزلية غنائية لاتلتزم عمود الشعر وقانونه. .كالوقوف على الأطلال ووصف الصحراء و ثم الوصول الموضوع الحقيقي من غزل ووصف. .بل تطلق للوجدان والقلب والروح واللسان والملكة الإبداعية العنان للصهيل والانطلاق في سهل القصيدة الواسع…كالفرس المطهمة والأصيلة بلا سرج أو لجام، يعتلي صهوتها شاعر تمكن من أدواته الشعرية. .وهو الموهوب والمتخصص في الأدب العربي دون خوف أو وجل.
يقول:
ستكون لي . .
روحي على شغف. .
عجل. .
إياك أعشق . . .
دلني مسرى هواك . .
مثل غيمات السما. .
بشغاف قلبي. .قد هطل…..ص89
بعد الغلاف يطالعنا الإهداء،أغنية الوفاء من قبل الشاعر لمن يسكنون قلبه قبل قصيدته. .مصرحا..
إلى كل من يعشق حتى الثمالة.. وطني. .
حبيبتي زوجتي. .
كل العيون اللهفى. . عيون أبي . . روح أمي . . . الخ. .
فضاءات العشق . . أسلوبية القصيدة.
من يقرأ الإهداء ومن ثم القصائد يجد أن الشاعر درويش قد حدد فضاءات ومواضيع قصائده، وأشار إليها عبر الإهداءات، فالوطن ودمشق والمرأة بمفردات وحقل جمالها المعجمي. .كالوجه والعينين والشعر والدلال والحب والتغزل بها عبر وصفها والتفصيل في ذلك من خلال رسمها وإبراز جمالها والافتتان بها باتباع الأسلوب الوصفي الحسي المؤسس على الصورة البيانية التقليدية من تشبيهات واستعارة:
مثل قنديل الصبح . . .
هي مثل الورد . ..
راحل مثل النجوم . .
مثل ريحان تلوى . .
أنت قنديل الليالي . . . ص 152، 153
ختاماً: عشق تجربة شعرية مكتملة، وقد أخذت مكانها لدى القارىء . . .
الذي قدم له الكتاب هدية، من قبل الشاعر سهيل درويش أثناء حفل توقيعه في ثقافي جبلة الشهر الماضي كسابقة لم يحدث مثلها قبلاً في مثل هكذا أنشطة. .
خالد عارف حاج عثمان