أعياد باردة في صيف حار

العدد: 9409

21-8-2019

كلما فتحت حسابي على الفيسبوك لتصفحه يصلني فجأة على الماسنجر تحيات غريبة من أشخاص مجهولين، بعضهم بأسماء حقيقة لا أعرفها وبعضهم بأسماء وهمية فأرفضها کون صفحتي شخصية ومحدودة للدائرة المقربة والعمل.
يقضي الناس ساعات طويلة جالسين خلف شاشات باردة يتبادلون الهموم أو المشاعر.
ننشر على الفيسبوك صور أثوابنا وهي تنتظر المواعيد، حقائب رحلاتنا التي نسيتها أيدينا مهملة، أطعمتنا التي بردت وهي تنتظر أحبابا نتقاسمها معهم، أبواب بيوتنا تشتاق لأيد حنونة تطرقها على الأقل في الأعياد.
نشارك أصدقاءنا الافتراضيين على الفيسبوك بأدق تفاصيل حياتنا دون أن نعرف حقيقة مشاعرهم، في الوقت الذي ننسى فيه معايدة من نثق بمحبتهم والسؤال عنهم.
نشارك ذاك العالم الأزرق همومنا دون أن يتغير في وضعنا شيئاً، وأستغرب لهذا العالم الذي فرضه بعض البشر على أنفسهم متفاعلين مع أسلاك جامدة ناسين مع الوقت حرارة اليدين ودفء الاحتضان، أسلاك سحبتهم من عالم الشمس والبحر والمطر إلى عالم كامل خلف الشاشات، يغلقونها في نهاية يومهم وينامون بأسرتهم وحيدين.
أتصفح بسرعة وأغلق الحاسب وأذهب لعالمي الجميل حيث الكتب المصفوفة فوق رفوف المكتبة وأفكر بكتاب جديد أقرأه، وتظهر أمامي كل الشخصيات في الروايات التي قرأتها سابقاً والتي عشت مع أبطالها تفاصيل حياتهم لحظة بلحظة دون أن أعرفهم حقيقة أو أحاول التحقق من صدق مشاعرهم نحوي، فلم أر يوماً الحزن في عيني (يمام) أو (الوله التركي) في عيني (دسيدريا أوليبان)، لكني تفاعلت مع قصة حبها بكل حواسي، لم يناقشني ذرادشت قبل أن يتكلم كما يحلو له، ولم تستمع (ماريا) في (إحدى عشرة دقيقة) لرأيي وتتبع الضوء داخلها والذي عثر عليه (رالف هارت) لم أرقص مع زوربا، ولم ألعب التنس مع فيرونيكا قبل أن تقرر الموت، أصابني العمى بعد قراءة رواية (جوزيه ساراماغو) خصوصاً بعد تدني مستوى الإنسانية عند الأغلبية في بلاد تنهشها الحرب منذ ثماني سنوات.
عرفت حينها لماذا يهرب بعض الناس من واقعهم إلى واقع أزرق يعوضهم في غياب العلاقات الحقيقة الصادقة، وعذرتهم، فأنا أيضاً لا أملّ من البحث عن علاقات بين الورق.

رنا محمد 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار