في ذكرى رحيل الشاعر الكبير سليمان العيسى «ديوان الأطفال».. لمحات شعرية غنية بالمشاعر والأحاسيس الطفولية

العدد: 9409

21-8-2019

حين تمرّ مشاهد الطفولة في الذاكرة ننتقل معها إلى أماكن بعيدة، وإلى زمن أبعد، ألعابٌ بسيطة، وأحلامٌ متواضعة، وقصصٌ ملونة، ومناهج مدرسية تحاكي مخيلتنا وتشحذها بموضوعات وأناشيد راقية في اللغة والمضمون والذائقة الجمالية واللوحات الفنية الجميلة.. 

من منّا لا يشتاق إلى قصائد الشاعر الراحل الكبير سليمان العيسى وهي تزين مناهجنا المدرسية بالكثير من القيم النبيلة والأخلاق العالية من خلال تمجيدها لبطولات الماضي وإنجازات الحاضر وآمال المستقبل؟ أناشيد يفتقدها جيل الأبناء اليوم في مناهجهم تحت مسوغات عديدة بعيدة كل البعد عن مقاربة حاجات أطفالنا ومتطلباتهم في العملية التربوية قبل التعليمية والتي يحتاجون إليها لتكون إحدى مقومات نجاحهم ونموهم الفكري والجسدي في آن معاً.

وفي ذكرى رحيله، لابدّ من توجيه الدعوة للقراءة في إبداعاته الشعرية والإبحار في عوالمه الراقية من خلال (ديوان الأطفال) الرائع بقصائده وموضوعاته ولمحاته الشعرية الغنية بالمشاعر والأحاسيس الطفولية فكثير من الأطفال العرب يحفظون قصائده، خاصة وأن شاعرنا الراحل الكبير في هذا الديوان خاطب الطفولة بقيثارة الطهر والبراءة، وهمسات الوفاء والمحبة باستخدام اللفظة الرشيقة والسهلة، والموحية ذات الإيقاع السريع الأمر الذي جعل من تلك القصائد أناشيد استقاها شاعرنا من واقع الأطفال، أو من أحلامهم وآمالهم، كيف لا؟ وهو الذي غذى مخيلة الأطفال بعشرات النصوص فحفظوها بسهولة نظراً لبساطة لغتها وجمال فكرتها وعذوبة بنائها الموسيقي، فكثيراً ما يربط الأطفال أنشودتهم بواقعهم اليومي، وهذا ما جسده لهم شاعرنا الراحل الكبير من خلال أشعاره، فقد كتب سليمان العيسى للمطر والشجر ولحب الأمهات والآباء والألعاب وتناول بعض المهن التي يحبها الصغار كما في أنشودته (عمي منصور النجار..) وقد ترافقت تلك الأناشيد برسومات مناسبة تلامس المخيلة وتسكن فيها.

ومن قصائده نقتطف:
أرسم بابـا
أرسم ماما بالألـوان
أرسم علمي
فوق القمم أنا فنـان
أنا صيّاد اللون السـاحر
أرض بلادي كنـز مناظر
وعن المدرسة والأطفال يقول:
على طريق معهدي
أمشي أنا يمشي غـدي
يمشي معي المستقبل
وفي يميني المشعــل
أنشودة (ابن الشهيد)
لكـي لا تُطفأ البسمات، كنا موجـة الغضب
لكي تخضّر يا وطني دماً ، كانت عطــايانا
وأحمل صوته بدمي، و صورته على هـدبي
قصيدة (أبطال تشرين)
دم العربي إنجيـل التآخــي
وقرآن الرجولة والإبــاء
ومقبرة الغزاة رمال سينــا
وفي الجولان ملحمة الضيـاء
فقد حرص شاعرنا الراحل الكبير سليمان العيسى، في شعره الموجه للأطفال – والذي جمعه في (ديوان الأطفال) أن تتوفر فيه اللفظة الرشيقة الموحية البعيدة الهدف، التي تلقي وراءها ظلالاً وألواناً، وتترك أثراً عميقاً في النفس، ولابد من الإشارة إلى أن الديوان تضمن أكثر من مائتي قصيدة، استطاع الشاعر المبدع، من خلالها، أن يختصر تجاربه الإنسانية والقومية والوطنية والاجتماعية والأسروية بأسلوب غاية في الدقة والشفافية فقد قرب للأطفال الكثير من المفاهيم وعلمهم الكثير من الدروس، ليس في الإطار اللغوي والفني فحسب، وإنما في الإطار الحياتي إجمالاً، وولد في نفوسهم المعاني والقيم الإنسانية السامية وعرفهم بقضايا أمتهم وتاريخها العريق.
بقي للقول: لقد رحل شاعرنا الكبير سليمان العيسى حقاً، لكن ذلك الطفل الصغير الذي رسمه بأناشيده لن يرحل، فصدى قصائده ما يزال في خزان ذاكرتنا ويجب علينا جميعاً العمل على أن ترددها الأجيال من بعدنا، لتكون الزاد والمنبع الذي يسهم في إثراء خيال أطفالنا عن طريق اللغة التي ستزداد ثراء على لسانهم من خلال المفردات والصور الشعرية المناسبة لمدركاتهم الحسية والوجدانية، مما يفسح المجال رحباً لمساحة المحبة والعاطفة النبيلة والثقافة المتنوعة كي تتسع في عالمهم الصغير وتسهم بدورها في تكوين شخصياتهم وبنائها بالشكل الأمثل.

فدوى مقوّص

تصفح المزيد..
آخر الأخبار