الوحدة – داليا حسن- نعمان أصلان- سليمان حسين
في خضم الحديث عن الدخان الأسود الذي لف سماء اللاذقية، والصور المؤلمة للأحراج المحترقة، يغيب عن الأضواء الأثر الأكثر قسوةً والمتمثل بالخسائر الاقتصادية التي ستظل جروحها تنزف لسنوات، فلم تحترق الأشجار فقط، بل احترق رزق المزارعين، وتلاشت ثروات صغار المنتجين، وأسعار السلع الأساسية ستنتفض مثل زيت الزيتون، بينما باتت قطعان الماشية أثراً بعد عين، وللوقوف على أثر الحرائق اقتصادياً كان لجربدة الوحدة هذا التقرير.

الحرائق ضربة قاسية للقطاع الزراعي
بيّن مستشار وزير الاقتصاد والصناعة الأستاذ جورج خزام لجريدة الوحدة أن الحرائق أدت إلى تقلص كبير في المساحات الزراعية، مما سيؤدي إلى انخفاض الإنتاج الزراعي والحيواني الذي يُلبّي جزءاً من احتياجات الأسواق المحلية والخارجية،
نتيجة لذلك، من المتوقع ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية مستقبلاً، بالإضافة إلى تراجع الصادرات.

زيادة البطالة وتدهور دخل المزارعين
وأوضح خزام أن أثر الحرائق سيؤدي إلى انخفاض دخل المزارعين وزيادة البطالة فقد تسببت الحرائق في خسائر فادحة للمزارعين، حيث تراجع دخل الكثير منهم، بينما توقف الدخل تماماً لدى بعضهم الآخر، و هذا الوضع سيزيد من أعداد العاطلين عن العمل، مما يفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية.
بيع الأراضي المحروقة بسبب الأعباء الثقيلة
كما قال مستشار وزير الاقتصاد والصناعة: “يُتوقع أن يضطر بعض المزارعين إلى بيع أراضيهم المحروقة بسبب عدم قدرتهم على تحمل تكاليف إعادة تأهيلها وانتظار سنوات حتى تصبح منتجة مرة أخرى، وفي حال تم شراء هذه الأراضي واستثمارها في مشاريع غير زراعية، فإن ذلك سيؤدي إلى تراجع أكبر في الإنتاج الزراعي، مما يعيق تحقيق أي مستوى من الاكتفاء الذاتي”.

زراعة اللاذقية: لجان فنية لتقييم الأضرار وتحديد حجم الخسائر
في إطار متابعة تداعيات هذه الكارثة، والوقوف على أبرز الإجراءات التي تعتزم مديرية زراعة٨ اللاذقية اتخاذها لتعويض المتضررين وإعادة تأهيل المناطق المتضررة، بالإضافة إلى خطط التشجير بأنواع نباتية مقاومة للحرائق، أوضح المهندس عبد الفتاح السمر، مدير زراعة اللاذقية، أنه تم تشكيل لجان فنية متخصصة لتقييم الأضرار الزراعية الناجمة عن الحرائق، حيث تعمل هذه اللجان حالياً على رفع تقارير دقيقة حول حجم الخسائر في المناطق المتضررة.

لا فترة زمنية للتعافي من كارثة الحرائق
أكد السمر أن تحديد فترة زمنية محددة للتعافي من آثار الكارثة يبقى أمراً صعباً حالياً، غير أن المديرية تبذل كافة الجهود الممكنة لتجاوز الأضرار واستعادة الوضع الطبيعي في أقرب وقت ممكن.
جمع البيانات التفصيلية لدعم المزارعين
فيما يتعلق بدعم المزارعين وإعادة تأهيل الأراضي، أفاد السمر بأنه يتم العمل حالياً على جمع البيانات التفصيلية حول الأضرار عبر فرق المسح الميدانية، وسيتم رفعها إلى وزارة الزراعة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لدعم المزارعين المتضررين وإعادة تأهيل الأراضي الزراعية المتأثرة.

خطة التشجير وإعادة التأهيل الحراجي
لفت السمر إلى أن مديرية الحراج بدأت بوضع خطط تفصيلية لإعادة تأهيل الغابات والمناطق المحروقة، وتشمل هذه الخطط،المراقبة والتقييم،حيث ستقوم اللجان الفنية بمراقبة المناطق المحروقة لمدة عام إلى عامين لتقييم قدرتها على التجدد الطبيعي، خاصة في المناطق التي تعرضت للحريق لأول مرة، حيث لن يتم التدخل فيها مباشرةً.
كما تعتزم المديرية تطبيق خطة التحريج الاصطناعي في المناطق التي تعرضت للحرائق أكثر من مرة، لضمان استعادة الغطاء النباتي فيها، إلى جانب الحفاظ على الأشجار المحروقة عبر ترك هذه الأشجار في أماكنها لحماية التربة من الانجراف، ولضمان بقاء البادرات النباتية القادرة على النمو، بالإضافة إلى إزالة الأشجار الخطرة القريبة من الطرقات وشبكات الكهرباء حرصاً على السلامة العامة.
وأشار السمر إلى استخدام أنواع نباتية مقاومة للحرائق وإدخال غراس متعددة الأغراض، مثل الخرنوب والغار، لدورها في مقاومة الحرائق وفائدتها للمجتمع المحلي، مع الحفاظ على التشجير بأصناف محلية كالصنوبر. مشيراً إلى مواصلة الجهات المعنية جهودها لاحتواء الأضرار ووضع الحلول المستدامة لمنع تكرار مثل هذه الكوارث في المستقبل.
توصيات: استراتيجيات شاملة لمواجهة الكوارث
بعد هذه المأساة التي طالت مناطق واسعة من ريف اللاذقية الشمالي، لا بد من مراجعة الكثير من التفاصيل التي رافقت هذه الأحداث الأليمة، التي أتت على كامل أشكال الحياة. ورغم أن هذه التفاصيل كثيرة ومتعددة، إلا أن مواجهة الحرائق تفتقر إلى الوسائل والأدوات الخاصة، وإن وُجدت، فهي تفتقر إلى أدنى مستوى من أساليب مواجهة الكوارث.
تطرح هذه الكارثة أسئلة كثيرة حول آليات الردع الأولية، سواء كانت بشرية عبر توزيع كثيف للمخافر الحراجية، أو تقنية عبر إنشاء مراكز إطفاء متعددة تكون العين الساهرة على أي فتيل يحترق، كما أن هذه المراكز تحتاج إلى محطات دائمة للتزوّد بمياه الإطفاء، حيث شكل نقصها عائقاً كبيراً أمام آليات الإطفاء التي اضطرت للسير لمسافات طويلة في مناطق جبلية خطرة.
إضافة إلى ذلك، فإن ثقل الآليات المستخدمة في الإطفاء يتطلب صيانة دورية، خاصة للإطارات، لضمان فعاليتها أثناء المهمات. والأهم من ذلك كله هو تنفيذ خطوط نيران لوضع حد لتوسع بؤر الحرائق وحصرها بمكان محدود.