الوحدة – سناء ديب- رنا غانم- ياسمين شعبان
تشهد محافظة اللاذقية في السنوات الأخيرة تزايداً ملحوظاً في ظاهرة الجفاف، والتي أصبحت تمثل تهديداً خطيراً للقطاعين الزراعي وللحياة اليومية للسكان، إلا أن التغيرات المناخية العالمية لعبت دورها وأثرت سلباً في تفاقم أزمة الجغاف، وللوقوف على جوانب الموضوع كافة من مناخ إلى زراعة وموارد مائية وصولاً إلى مؤسسة المياه، كان لجريدة الوحدة هذا التقرير.
الأسباب المناخية للجفاف ومؤشرات تفاقمها
بين الدكتور رياض قره فلاح دكتوراه في علم
المناخ من ألمانيا وعضو هيئة تدريسية في جامعة اللاذقية قسم الجغرافيا لجريدة الوحدة أن الأسباب المناخية لشح الموارد المائية تتمثل في انخفاض هطول الأمطار، حيث شهدت سوريا عموماً واللاذقية خصوصاً انخفاضاً ملحوظاً في معدلات هطول الأمطار بنسبة تصل إلى 45%، مما أثر على تغذية الينابيع والأنهار التي تعتمد عليها اللاذقية مثل نبع السن الذي يوفر 85% من مياه المحافظة، كذلك ارتفعت درجات الحرارة في سوريا بمقدار 1.8 درجة مئوية منذ عام 2010، مما زاد من معدلات تبخر المياه السطحية وقلل من كفاءة تخزين المياه الجوفية، أيضاً تغير أنماط الهطول، فأصبحت الأمطار أكثر تقلباً من حيث الزمان والمكان، وباتت تتسم بفترات جفاف طويلة يعقبها هطولات غزيرة غير منتظمة، مما يحد من قدرة التربة على امتصاص المياه وتغذية الخزانات الجوفية .

وأضاف: ازداد الوضع تعقيداً مع ظهور مؤشرات تفاقم الأزمة إذ بات الجفاف ظاهرة واضحة مع توقعات بانخفاض الموارد المائية بنسبة 30-50% بحلول عام 2050 ، كما أصبح تلوث المياه الجوفية عاملاً إضافياً حيث وصلت نسبة التلوث إلى 40% من الآبار الجوفية بسبب الضخ الجائر والنفايات الكيميائية من المصانع التي ترمي نفاياتها في الأنهار، مما يقلل من المصادر المتاحة، كما اضطر السكان بسبب قلة القدرة المؤسساتية لشراء المياه من صهاريج غير موثوقة، مع ارتفاع الأسعار إلى 100 ألف ليرة للخزان، مما يشير إلى تفاقم النقص.
تأثير التغير المناخي على موارد المياه
وأوضح الدكتور رياض أن موارد المياه السطحية انخفضت بنسبة 60% بسبب قلة الأمطار، وارتفاع معدلات التبخر بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وقد سجل العام الحالي بوصفه الأكثر جفافاً في تاريخ المنطقة الحديث، ما يثير تساؤلات كبيرة حول مستقبل الأمن المائي في اللاذقية، وأضاف أن ارتفاع منسوب البحر المتوسط بسبب التغير المناخي يؤدي إلى تسرب المياه المالحة إلى الخزانات الجوفية الساحلية، مما أدى إلى تدهور نوعية المياه العذبة وانخفاض صلاحيتها للشرب والاستخدام، ويأتي ذلك في وقت فقدت فيه سوريا ما يقارب 70% من بنيتها التحتية المائية، مما زاد من هشاشة النظام المائي في مواجهة التغير المناخي.

موجة الجفاف تكتسح الزراعة
وفيما يخص تأثير الجفاف على الزراعة أوضح مدير الزراعة في محافظة اللاذقية الأستاذ عبدالفتاح السمر لجريدة الوحدة أن موجة الجفاف التي شهدتها المنطقة خلال الموسم الحالي كان لها أثر بالغ على القطاع الزراعي، حيث أثرت سلباً على الأشجار المثمرة، وانخفضت نسبة العمل والإنتاج بشكل ملحوظ مقارنة بالسنوات السابقة.
وأشار إلى أن عدم القدرة على تأمين مياه الري من السدود نتيجة لانخفاض المخزون المائي والذي تعطى فيه الأولوية لمياه الشرب، مؤكداً أن تأثيره كبير جداً على المحاصيل وبالأخص القمح حيث أن زراعة القمح في محافظة اللاذقية زراعة بعلية (غير مروية) وقد كانت نسبة الإنبات ضعيفة هذا الموسم مما انعكس سلباً على كمية الإنتاج.
أما فيما يتعلق بالثروة الحيوانية فقد بين الأستاذ السمر أن الجفاف أدى إلى تدهور المراعي الخضراء، ما أجبر المربين على الاعتماد على شراء العلف، فارتفعت تكاليف التربية وأثرت على تكاليف التربية.
زراعة اللاذقية والحد من الاستهلاك المائي
بين مدير الزراعة أنه تم التوجيه بعدم زراعة المحاصيل والخضار التي تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، وتشجيع المزارعين على استخدام أساليب الري الحديثة كالري بالتنقيط، بهدف ترشيد استهلاك المياه وتوفيرها للري قدر الإمكان، كما تم التنسيق مع مديرية الموارد المائية لتنفيذ حفر برك في مجاري الأنهار والسواقي بهدف تجميع المياه والاستفادة منها في ري الأشجار والمحاصيل.

إلموارد المائية باللاذقية: تخزين السدود 40% فقط من سعتها التصميمية
محمود قدار مدير مديرية الموارد المائية في اللاذقية، خلال لقاء صحيفة الوحدة معه، قال: “إن السبب الرئيسي للشح الحالي يعود بشكل أساسي إلى ندرة الهطول المطري خلال فصل الشتاء الماضي، وخاصة “الأمطار الفعالة” التي تولد جرياناً مائياً”، مشيراً إلى أن هذا القصور أدى إلى انعدام أو تدنٍ شديد في الجريانات المائية نحو السدود، وبالتالي حصاد مائي منخفض جداً، حيث لا يتجاوز تخزين السدود 40% فقط من سعتها التصميمية في المحافظة.
البنية التحتية وإدارة الموارد الحالية
وعن واقع البنية التحتية لشبكات التوزيع والسدود، أوضح قدار أن أطوال شبكات الري الرئيسية والفرعية، المكشوفة والمطمورة، تتجاوز ألفي كيلومتر، مما يستدعي صيانات دائمة ومستمرة يتم تنفيذها بانتظام، مشيراً إلى أن البنية الأساسية للشبكات ومحطات الضخ تعتبر بشكل عام جيدة بالمقارنة مع عمرها الزمني وكفاءة أدائها، لافتاً إلى أن مديرية الموارد المائية تقوم بمساعدة المزارعين عن طريق فتح برك مائية ضمن مجاري المسيلات المائية لتجميع المياه، إضافةً إلى توزيع المياه المخزنة في السدود وفق برامج مدروسة للاستفادة القصوى من كل كمية متاحة وتحقيق عدالة التوزيع قدر الإمكان، وأضاف أن الري من السدود السطحية هو ري اعتيادي يتم وفق مطالبات المزارعين، وأن الري في سهول جبلة من سد الحويز هو أيضا اعتيادي كونه يتم ملء السد من نبع السن ضمن مشروع الضخ الشتوي.
الموارد المائية: قريباً سدود ستحقق احتياطاً مائياً
وأكد قدار أن المشاريع القائمة حالياً ستؤمن أمناً مائياً لمياه الري والشرب عندما يتم استكمالها ووضعها بالخدمة، وهي سدّا برادون والشيخ حسن، حيث سيدعم سد برادون المخزون المائي لسد مشقيتا على نهر الكبير الشمالي، مما سيحقق احتياطاً مائياً كافياً للمستقبل.
مؤسسة المياه: انخفاض ملحوظ في غزارة مياه نبع السن
وعن أزمة المياه الخانقة التي أثرت سلباً على حصة المواطنين وخدمات المدينة الحيوية. كشف مدير المؤسسة العامة لمياه الشرب، السيد عبد الخالق دياب، لـ”الوحدة”، أن نبع السن – الذي يعد النبع الرئيسي للمدينة بخمسة خطوط جر – شهد انخفاضاً كبيراً في غزارته مقارنة بالسنوات الماضية، حيث كانت تصل إلى نحو 15 متراً مكعباً في الثانية، بينما لا تتجاوز الآن 4.5 متر مكعب.
مياه اللاذقية توضح العوامل البشرية واللوجستية لأزمة المياه
وأرجع مدير المياه الأزمة إلى الانخفاض الحاد في الموارد المائية، إضافةً إلى قدم تجهيزات محطة الضخ الميكانيكية والكهربائية، التي تواجه أعطالاً متكررة تؤدي إلى توقف المضخات عن العمل، مما يفاقم نقص المياه أثناء عمليات الصيانة الضرورية، كما تبرز مشكلة التعديات والمخالفات على خطوط الجر، حيث سجلت الضابطة المائية أكثر من ألفي مخالفة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، مما أثر سلباً على الوارد المائي.
رغم الأزمة المائية.. مؤسسة المياه لم تقف مكتوفة الأيدي
وبيّن دياب أنه رغم كل التحديات، فإن المؤسسة لم تقف مكتوفة الأيدي، حيث عملت على تشغيل محطة التصفية التي أسهمت في تحسين الوضع بشكل ملحوظ، رغم أن تقادم شبكات المياه وتكلسها تسبب في أعطال متكررة، مما اضطرهم إلى العمل المستمر على الإصلاح والصيانة حسب الأولويات والموارد المتاحة.
مشاريع لإعادة تأهيل محطات مياه
وأشار دياب إلى المشاريع التي انطلقت بالفعل لإعادة تأهيل عدة محطات مهمة، أبرزها لقلايع، ديرين، حقول الجوز، قرفيص، الزهراء، والشامية، إلى جانب استبدال شبكات قديمة وتمديد أخرى جديدة في المناطق الأكثر احتياجاً، في إطار تعزيز كفاءة النظام المائي، كما جرى إعداد دراسات لتأهيل محطات إضافية، ستُنفذ تدريجياً عبر ورشات المؤسسة أو بالتعاون مع المنظمات المانحة.
واختتم دياب بالقول: “إن حملة الإصلاح والتطوير مستمرة، حيث تم الاتفاق على تنفيذ مشاريع urgent في محطات الجنديرية، سد الحفة، وبللوران، بالإضافة إلى أعمال تأهيل واستبدالات في محطات الريف الشمالي، لتخفيف معاناة الأهالي بشكل تدريجي.”
ختاماً
في ظل هذه الأزمة لابد من دعوة عاجلة لترشيد الاستهلاك، لأن مواجهة الأزمة يتطلب جهداً جماعياً، من جميع الفعاليات الحكومية والأهلية، من روابط فلاحية ووحدات إرشاد زراعي وجمعيات مستخدمي المياه والمزارعين، إلى ترشيد استخدام المياه لأن الترشيد خيار استراتيجي.