كم باتت الحاجة ملحّة إلى تدخل القدر! تلك الغيمة القاتلة التي تتنقل فوق جبال وهضاب الساحل، توزع الحزن والتصحّر على العلن، غيمة تجرّ خلفها موتاً متنوعاً، حتى التراب، الذي إليه نعود، لم يسلم، حقول وأشجار مثمرة كانت ملجأً للسكان هناك صارت رماداً، لكن الألم الأكبر هو المصير المجهول الذي حلّ بسكان تلك الغابات الأصليين، مسالمين كانوا أم شرسين، من طيور وزواحف وكائنات بريئة تنتمي إلى عالم طبيعي مُفجع.

فذلك السيناريو السنوي بلغ حلقاته الأخيرة، معلناً إفلاس الواقع البيئي، فالتهنئة أيها الأقرع المجاور! كثيرون حولك خلعوا رداءهم الأخضر قسراً فكان مصيرهم سواداً حالكاً.
كنا نمني النفس بأن نقدم لضيوف هذه الأرض وأهلها الغائبين لوحة الحياة الحقيقية: طبيعة خلابة ومسالك تأخذ الناظرين إلى عالم السحر وفوضى الجمال، لكن للقدر رأيٌ آخر، قدّم للجميع جرعات من الألم والحسرة.

وعلى الجانب الآخر، وقف جنود الإطفاء من عناصر الدفاع الوطني وعمال الحراج، وجوههم متغضنة بالحزن والعجز، يواجهون مذبحة حقيقية، ألسنة النيران تتهاوى فوق رؤوسهم من كل حدب وصوب، بينما تُكتب أعذارهم بيد الرياح العاتية ووعورة الجبال، إضافة إلى بُعد مصادر المياه.
مواجهة غير متكافئة تذكرنا بذلك الموت الجهنمي الذي داهم أعتى دول الأرض، حين دخلت النيران عقر دار أكبر الولايات، فانحنى جبروتها صاغراً، واستكانت أدواتها أمام الطبيعة المسيطرة.
لا يبقى إلا البحث عن سُبلٍ لإعادة هيكلة الغطاء النباتي وتعزيز القدرات المحلية لمواجهة الأخطار، هذه الكوارث تتطلب خططاً دفاعية فاعلة للتصدي للحرائق والزلازل والفيضانات، يكون المواطن فيها حجر الزاوية، فعمليات إجلاء الأهالي قد تكون أقسى من الكارثة نفسها.
الأمل معقود على أن ينتهي مسلسل الكوارث الذي يطارد هذه الأرض الطيبة. فالزمن كفيلٌ بأن يحوّل الرماد إلى سماد.
سليمان حسين