العدد: 9401
الأحد-4-8-2019
كان يبتعد عن خطّ الأفق خطوةً واحدةً، أو هكذا يظنّ! ولأنه لا يجد وقتاً لتلك الخطوة في عقارب الساعة، فقد كان ينتظر زمناً يستقيم مع عقارب ذلك الأفق.
يا للثّراء الذي يشعر به، وهو لا يملك من الأشياء أقلّها، لكنّه أسّس للقاءٍ تلتقي فيه ذُرى الجبال مع فتاةٍ يمتلك جمالها نصف العالم، ولا تقلّ كلماتها عن الأبجديات التي تجرّها عربة اللغات قبل تاريخ الأشياء وبعدها.
لم يدرك إلّا وهو مصفوعٌ بكفّ الأمنيات على غصنٍ يابس، فيردّد سؤاله المعتاد: إذا البحار قد غيّرت من زرقتها وصار بعضها أسود وأحمر وأصفر، فلماذا لم تتغيّر تلك السّمراء من ناحيتي!
ما زلت أشفق على من يبحث عن الحبّ من بين هؤلاء الذين لم يسمعوا به، فإذا ما وصلهم الإشفاق، فليرأفوا بي، وبدلاً من أن تدور عقارب الساعة، فلتركض ما تشاء. الكلّ يركض إلى نهاية سباقه في مقبرةٍ كتب على بوابتها: (من مات من غير عشقٍ فلن يذكره أحدٌ).
قبيل رحيل معظم عمره، وقف بالقرب من شجرةٍ أغصانها كالسلالم، وقال بصوتٍ كالألوان: تلك الأغصان مدّت سلالمها إلى أقرب غيمةٍ، وأنا سلالمي إلى أبعد غيمة؟
يا للعمر الذي يشغلنا بأكذوبته، فنظنّ بأننا مصنعٌ للرياح، نقود العالم إلا أنفسنا، فيبهرنا الزّيف، ونتلوّى بالحقيقة كمرضٍ عضال، ثم ننزرع كجدران التسلّق.. الكلّ يتسلّقنا ويمضي، و.. يبقى عشقنا كذرى الجبال التي لن تلتقي، فنلعن الأموات، ونبرّر للأحياء ما اقترفوا، إلى أن يصير التّبرير بلا لونٍ ولا طعمٍ ولا ذكرى، ولا حتّى خيطاً في ثوبٍ من سراب.
سمير عوض