الوحدة:28-5-2025
للثقافة دور حضاري لا يستهان به، وأثر واضح في سير وسيرورة عجلة الحياة، وطالما كان للمثقف دور حساس في توظيف معارفه بما يخدم أو يسيء وفقاً للاستراتيجية المتبعة، فمن هو المثقف؟ وكيف يرى المثقفون السوريون دورهم في العهد الجديد؟ وما هو الدور المنوط بالمثقف والمأمول منه في تلك المرحلة؟.

أسئلة طرحناها على التشكيلي السوري والقاص حسين صقور، وتعرفنا من خلالها أيضاً كيف يقوم هو بهذا الدور.
يجيب الفنان صقور على التساؤلات السابقة فيقول: بداية لنتفق على تعريف من هو المثقف؟فليس المثقف من يمتلك المعرفة الشمولية أو التخصصية فحسب، بل هو كائن خلّاق ومبدع يساهم في إنتاج تلك الثقافة والمعرفة ويتفاعل مع كل ما حوله من أحداث، هو من يشكل رأيه وموقفه تجاه موضوع معين، وهو من يستطيع الدفاع عن رأيه وتبريره مستنداً للحجج والبراهين، هو كائن أكثر وعياً، قادر على تقبل الآخر حتى وإن اختلف معه، هو قادر على إدارة حوار أو على الأقل على أن يكون طرفاً مهما في ذاك الحوار، ومع الأسف نحن نفتقد في مجتمعاتنا للغة الحوار فهي في الغالب سفسطائية تسيّرها مراكب الخوف المستند لمفهوم مريض مرتبط بالربح والخسارة، فالرابح هو المهيمن لا من خلال حجته وأسلوبه الجذاب، إنما من خلال سلطته القمعية. وحوارات كتلك لا تنمّ سوى عن خواء أو معرفة ببغائية مجبولة بعقد الدونية.ويتابع صقور: تتجلى قيمة المثقف الغيور على وطنه في كونه يُسهم بشكل أو بآخر في تصحيح المسار فهو يمتلك عين الناقد الإيجابي الغيور على وطنه، وأقصد بالإيجابي هنا هذا الكائن البناء القادر على رؤية الجزء الممتلئة من الكأس ثم الإشارة لما هو فارغ، وهو هنا يكشف المشكلة ويطرح الحلول وبالتالي يفترض ألا يُنظر إليه كمعارض هدّام، إنما كموجّه لعجلة التحديث والتطوير وكخادم لمسيرة الوطن والحياة.
ويستطرد صقور قائلاً: بهذا النفَس الوطني قدّمت نتاجي سابقاً في الفن والأدب ومن كتاباتي القصصية مواضيع ك(الرغيف اليتيم)، و(يوميات مواظب سوريّ) و(تداعيات على قارعة الطريق). سلسلة طويلة وجهت الأنظار لمواطن الخلل وانعكاساته على الذات والإنسان، وبقي شكل التعاطي معها هو مسؤولية القائمين على الثقافة وما تمليه عليهم التوجهات والتوجيهات، وكانت أعمالي التشكيلية لا تقل قيمة عنها في مواكبة الحدث الذي يعكس مرارة الحرب وقسوة الحياة في ظل النظام البائد، ومن هذا الجانب لا يجوز المجاملة والتجميل أو محاولة تبرير الأفعال غير الإنسانية، فتلك هي الجرائم الكبيرة التي يرتكبها بعض مدعي الثقافة من الوصوليين.
أما من الجانب الآخر فيمكن للفنان المثقف أن يكون الواجهة الحضارية لوطنه، حين يرفد الحضارة العالمية بإبداعات تواكب متطلبات الحداثة دون أن تفقد هويتها وخصوصيتها وهو حينها يروج في نتاجه للقيم الأخلاقية والفنية في مجتمعه الصغير، وسيسهم في تفعيل حركة السياحية الداخلية والخارجية كإحدى أهم الموارد الاجتماعية والاقتصادية.
طالما كان المثقف بحاجة لثقة القيادة ولوعي الشعب وهو لا يستطيع أن يلبس غير ثوب الحق وهنا تكمن أهميته وخطورته.. فالقيادة الحكيمة ستعتبره المنبّه والموجّه وصوت الشعب، وسترسم سياستها وخطواتها الآمنة على هذا الأساس والقياس، أما القيادات القمعية فستعتبره المحرض والمعارض وستسعى لخنق صوته (من خلال مؤسسات فاسدة يديرها وصوليون غير أكفّاء) متجاهلة بأن القمع هو الذي يولد للانفجار.
حين تتحقق تلك الثقة ما بين القيادة والمثقف والشعب، سيكون للحرية الفكرية أثرها الإيجابي في تحقيق المزيد من التطور والاستقرار حتى وإن بدا ذاك الاستقرار رحلة مرتبطة بوعي الشعوب، فحين لا يتوفر هذا الوعي كليّاً أو جزئياً، تصير الحاجة أكبر لتعاون مبني على الثقة يمارس فيه المثقفون الغيورون على وطنهم، دورهم في الوعي التوعوي والتربوي، وذلك من خلال خطة مدروسة ودعم حكومي مؤمن بقيمة المثقف وأهميته، حينها وحينها فقط، سيزدهر الوطن وستكون المحبة هي العنوان العريض للعلاقات الإنسانية ما بين أبنائه.
مهى الشريقي