العدد: 9285
5-2-2019
نظرتُ إليها، أعجبتني، أدرت لها ظهري طمعاً بدفئها، استسلمت لأشعتها رغبة مني في أن ينال جسدي حصته من دفء ظهيرة هذا اليوم الصافي والمشمس الرائع.
جلست بالقرب من شاطئ البحر، برغبة جامحة تعتريني لهذه اللحظة، التي كنت أُريدها أن تتم من العام الماضي، لكن نحن لا نضع في مفكرتنا الحياتية خططاً خاصة بزيارات البحر، ولا نعيرها أي اهتمام، لأننا جيران البحر وأهله، نقول ونردد دائماً: غداً نذهب البحر قريب (شلفة حجر)، لكننا لم نذهب ولن نذهب، لأن مشاغلنا واهتماماتنا بالأمور الحياتية وخاصة المعيشية كثيرة جداً وقاسية أيضاً، تأخذ كل اوقاتنا بكثرتها، وتنسينا كل ما عداها بقساوتها، حتى أنها تدمر حياتنا من دون أن نشعر.
جلستُ على صخرة قرب الشاطئ مستوية بعض الشيء، تَدّلَّت رجلاي حتى غاصتا في مياه البحر الصافية مما سمح لي بمراقبة ما يحدث، بدأت الأسماك الصغيرة تقترب منهما، تلامسهما، وكأنها تبحث عن طعام، ليتني أحضرت لها معي بعض فُتاة الخبز لأطعمها، لكنني لم أحسب لها حساباً، تَهجمُ باتجاهي، وكأنها تلاعبني تدغدغ أصابعي تحت ماء البحر.
نظرت أمامي، إلى الأفق الرحب، والمدى الواسع والشاسع، هّبَّتْ واستنفرت أفكاري، سرحت بدينا الأحلام، هامت روحي برحابة المشهد، مياه هادئة مسطّحة، سماء صافية عكست لونها الأزرق على مياه البحر الهادئ، لم أكترث بما يدور حولي، صيادون يمارسون هواياتهم، يّدلون بصنانيرهم لاصطياد الأسماك، مصطافون يسبحون على الشاطئ، وآخرون يجلسون على طاولة قرب أمواج الشط، يدخنون (الأراكيل) ويحتسون العصائر.
أصوات كثيرة امتزجت، أطفال يبكون وآخرون يصيحون ويضحكون، وقام البعض بنزهة قصيرة قرب الشاطئ على متن قارب صغير استأجروه لهذه الغاية.
حررت تفكيري، تركت أفكاري تنساب شردت في هذا العالم الرحب، مشيت وراءها، حَلّقتُ عالياً، وصلت إلى المدى البعيد من دون توقف، كنت مسروراً جداً بهذه الحرية والاسترسال، الذي وصل إلى ما لا نهاية، ثم تابع وتابع، ويزداد سروري بما يرضي تفكيري وغروري حتى اصطدم بمانع حدَّ من حريته واوقفه، وكأن هناك قائل يقول له: هنا حدودك إيها الإنسان، ممنوع الاقتراب والتقدم، فعدت مجبراً ومكرهاً، وعادت معي أحلامي وأفكاري كلها التي لم تثمر عن شيء، ذهبت وتطايرت كالهباء المنثور.
ليست فقط الأنظمة والقوانين المرعية الإجراء من قبل الدولة في حياتنا اليومية هي التي تحدُّ أحياناً من حركتنا وتفكيرنا وحتى أحلامنا، بل هناك قوانين الهية تتحكم بتصرفات عقولنا، ومضامين ضمائرنا.
قضيت وقتاً رائعاً لا يُنسى، تمنيت لو كان برفقتي أحد أحبائي، إنها رحلة جميلة في ضيافة بحرنا الهادي علّها تتكرر وتتكرر وكل زيارة وأنتم بخير.
حسن علان