ساعات بأجل غير مقرون بـ (تك)

العـــــدد 9397

الاثنين 29 تموز 2019

 

ساعات تنسل عقاربها من بين أصابع أيامنا وتنفرط دقائقها وثوانيها على طرقات الحياة، وتمضي بعمرنا قطار حكايات، (تك.. تك) فلا زالت ساعة والدي رحمه الله في خزانتي لأكثر من 22سنة (أورينت) تنبض بالذكريات، وحتى أنها توقظني في الفجر بعد أن قرنها والدي على الرابعة فجراً ساعة رحيله إلى ثكنته العسكرية كما ودعته، وأذكر أول ساعة أهداني إياها في الصف الرابع (ماكس) بلونها الفضي، كل ذلك تراكم أمام واجهة محل ساعات استوقفني وقد سارع بنا الزمن ولم نعد نلمح أو نبصر ساعة في اليد حيث ثقلت أيامنا بكل جديد فكنا قد خففنا عن أنفسنا من وطأة لبسها واقتنائها وسارعنا فيها عندما ضبطناها على الموبايل الذي استشرى فينا وتسيد زمننا الذي نصارع فيه هموم الحياة ونسابق ساعات أيامنا بلا عقارب أو (زمبلك وتك ..تك)
السيد أحمد عارف يعرفه الجميع منذ أكثر من 50 سنة بـ (ساعات لطفي)، تصليح ساعات، كار توارثه عن الجد والأب، سألته: كيف بقي على كاره وهل له فيه عيش وإن كانت مطلوبة الساعات والمنبهات في زمن الموبايل، حيث استغنيت عن ساعتي منذ اقتنيت الموبايل وخلعت من يدي ساعة لطالما أحثتني على الجد وحمل أطنان من المسؤوليات ومثلي الكثير؟ فرد بقوله: قد يكونون قد أحجموا عنها لبرهة من الزمن بحلول ساعة الموبايل، لكنهم عادوا سريعاً للساعة ولم نعان الكساد، ويوجد ناس تصلح ساعتها وتشتري لتحس بوجودها وكيانها فلا يضيعها زمنها، كما ناس ليس بمقدورها الابتعاد عن النظارات التي فيها رؤيتهم الصحيحة بكل ارتياح، وأيضاً أصبحت الساعة من بقية الإكسسوارات ومكملة للأناقة والهندام باللون والموضة والتقليعات، وفيه ناس كما كل عصر وأوان تهوى الساعات بأشكال وماركات وغيرهم يلبس ما صنع حديثاً ولو وقف طنينها، وتبقى الساعات على سلم الأوليات في مجال الهدايا ولكل المناسبات، وموديلات تناسب الشبان والبنات ولكل منهم ذوقه مع ساعات رقمية بلا صوت، حركة المبيع جيدة وليست مقصورة على المناسبات وفرص النجاح، ويتراوح سعر الساعة ما بين (1500- 4000) ليرة لكن ليس لماركات مثل الأورينت الأصلية التي يصل سعرها (15- 20) ألف ليرة، أما المنبه فهو إلى اليوم الديك الذي يصيح في البيت معلناً شروق شمس نهار جديد، ولطالما أحب معظمنا طنينه، وينظر إلى الساعة أمامه ساعة يشاء ويحجب عن فتح الموبايل بحثاً، والمنبه له أوقاته التي تحلو بحلول شهر رمضان والامتحانات أيضاً ولكل موعده الذي نضبطه للفوز والنجاح.
يوجد اليوم تصليح ساعات لكنه يقتصر على المحلات القديمة التي تتوفر فيها قطع الغيار، فالمحل الجديد ليس بمقدوره تأمين قطع التبديل ويستحيل عليه شراؤها من محل آخر لهذا يصعب عليهم التصليح، ويكون فقط عندهم محل لبيع الساعات والهدايا، لهذا حافظنا على هوية عملنا ومصدر عيشنا، لكن نعاني فقط من الزبون الذي لا يعرف مهنة الساعاتية ومصطلحاتها ومفرداتها وقطعها، ولا يستوعب قولي وما أنصحه به، ويمكنه أن يفهم برامج الموبايل لكن ليس كلنا يفهم الكترونياته، وفي هذه الساعة بالتأكيد يعرف عقارب الساعات والدقائق و.. كما يعرف أن يفتح البلوتوث والفيس والوايف، لكن الساعة حبيسة الزجاج وماكينة داخلها كما موتور السيارات، تتحرك على نبض يد حملتها لسنوات وتناغمت برحلة سفرها لأجل غير مقرون ب (تك).

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار