مســـــــــــبـّع الكـــارات…

العـــــدد 9397

الاثنين 29تموز 2019

إن كلمة الكار هي مرادف لكلمات: صنعة- حرفة- مهنة- شغل- منفعة مادية معنوية.
وقديماً كان يوصف الرجل العامل الذي في يده أكثر من صنعة بشيخ الكار أو مسبّع الكارات أي ذو حرف سبع ومجازاً في كل إصبع من يديه صنعة أو كار وكثير الكارات قليل البارات موحياً بأن العمل في صنعتين اثنتين أو أكثر لا يطعم خبزاً، فالمرء ذو الصنعتين يتنقل كثيراً بينهما ولا يقدر على النهوض بأعبائهما.
وإن ما دفع لتعلم الصنعات أيام زمان وتشجيع ازدهارها هو الحاجة الضرورية إليها ثم الحرص لكسب المال والقوة، إضافة إلى ذلك المعتقدات الروحية التي كان لها أثر كبير في الاهتمام بالصناعة وتطويرها والأحاديث تقول بأن الصنعة وقاية من الحاجة إلى الناس وأمان من الفقر، وإن البيئة الجبلية والوسط الاجتماعي في الريف كان له دور وذلك لأن القرية مجتمع زراعي لا تكثر الصناعات فيه لذلك قامت حرف تلبي حاجات الفلاحين الأساسية في حياتهم اليومية وكانت تلك الصناعات تعتمد في البدء على مواد أولية متوافرة في الأرض والمقالع الحجرية والغابات، وهناك صناعات يدوية موروثة تعتمد على قوة العضلات البشرية والحيوانية وهي ذات علاقة بالزراعة وسكن الريف من قريب أو بعيد.
وبحكم الظروف والحاجات فقد وجد هناك أفراد يسدون هذه الثغرات في الريف بأن تعلموا بعض الصناعات من الأجداد أو البيئة الأخرى إذ أن الفلاحة وحدها تستغرق حياته بأكملها ومع ذلك فإن الحياة الصعبة أيام زمان والبعيدة عن منجزات العلم فرضت أن يقوم الفلاح بنفسه ويحل جميع المشاكل الزراعية.
ويلاحظ أيضاً أن الصناعات اليدوية ذات الصفة المادية قد تغلبت على تلك التي تهتم بالثقافة والجمال وكانت هذه الصناعات هي دلالة على المستوى المعرفي والاجتماعي والمهني والاقتصادي للريف وعلى قلة التأثيرات البيئية ولا أحد يعرف بأن الصياغة قد ازدهرت في القرى وأن التجار الذين كانوا مقيمين في المدينة يقومون بتأمين الحلي بيعاً وشراءً وربحاً.
وإن الصناعات الجبلية القديمة كانت قد تعرضت لما تعرض له الفلاح من ازدهار وانحطاط وغير ذلك وتغيير أنماط الإنتاج وفي أيامنا هذه زالت مهنة مسبّع الكارات والبارات وزالت مهنة طحن الحبوب بطواحين الماء وعصر الزيتون بالباطوس ومهنة تربية دود القز على أشجار التوت لإنتاج الحرير وتراجعت مهنة الرعي وغزل الصوف وفتل الحبال وقضى الدهر على فن عمار البيوت الطينية والتنور وجميع ملحقات الإقامة في الريف وأصبحت القرية أهم من المدينة ولكن حالياً بسبب وجود جميع مستلزمات الحياة.

عواطف الكعدي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار