العدد: 9393
الثلاثاء23-7-2019
تزخر الحركة التشكيلية السورية بأسماء كبيرة أثبتت حضورها المحلّي والعربي والعالمي، وأسهمت في إحداث نقلةٍ نوعية للمشهد التشكيلي، ودخوله عالم الحداثة من أوسع نطاقٍ، وتغيير خارطته بما يواكب التطور العالميّ لهذا الفنّ.
لكن هل أفلح الفنّ التشكيلي السوري في إيجاد هويةٍ خاصّةٍ به أم ضاع وأضاع هويته وبقي معلّقاً بين الماضي والمعاصر؟
اللوحة السورية اليوم تسافر عبر القارّات، وتصل أبعد حدودها متخطّيةً جغرافيا المكان وفرق التوقيت العالمي، ونراها تتصدّر المعارض الدولية والمتاحف العالمية، وتضاهي أسماء تركت بصماتها في تاريخ التشكيل وتطوّره.
ويحاول فنّانو اليوم جاهدين البحث لأنفسهم عن مكانةٍ تدفعهم إلى الصّدارة، سواء المحلية أو غيرها، إن كان بالاجتهادات الشخصية، أو المعارض الفردية والجماعية، أو ابتكار أساليب حداثوية بانطباعية ورمزية وتجريدية الأوّلين، أو بالانفتاح على تجارب بعضهم قبل تجارب غيرهم، وانتقاء ما يلائم تصوّراتهم ، وإطلاق العنان لإبداعاتهم ومخيّلاتهم لكسر قيود الرّتابة والجمود والتقليد.
وعلى الرغم من الصّراع القائم حالياً كأحد مفرزات العولمة بين اللوحة التشكيلية واللوح الرقمي، واختلاف المُعطى البصريّ بينهما، إلا أنّ كلّاً منهما يحاول إزاحة الآخر، والسّطو على مقدّراته ومساحاته اللونية الشاسعة، والتفرّد بجمهوره، مهما كانت الوسائل والأدوات.
ولا شكّ في أن ما سبق وضع التشكيليين بمأزق إثبات الحضور والوجود والتباس هويةٍ تترك بصماتها لاحقاً، ما حدا ببعضهم إلى التوجّه في أعماله إلى النّخبة الثقافية، ليُفلح في مكانٍ ما ويُخفق في آخر، فتاهت ملامح لوحاتهم وضاعت معالمها، وأصبح الولوج في أعماقها أشبه بالغوص في المجهول ومقارعة التيارات، لا سيّما عند جمهورهم من العامّة الذين يصعُب عليهم قراءة طلاسم بعضها وفكّ شيفراتها، فأضاع الجمهور بوصلته الفنّية.
حتى أن تكريس صالات الفن لأسماء فنية محددة دون سواها
جاء مع غيابٍ لحركة نقدٍ فنّية جادّة تستطيع أن تعرّي الغثّ من السمين، والأعمال المزيّفة من أعمال الفنّ الحقيقية، ما أسهم في تقديم أعمالٍ هجينة حافلة بالفوضى البصرية، جعلت التجربة الفنّية السورية ناقصة وغير مكتملة العناصر، تتلاطمها نتاجات السوق وأخلاقياته ومحسوبياته، وباتت بأمسّ الحاجة إلى صحوةٍ تستعيد بها روّادها وجمهورها، مع الأخذ بعين الاعتبار تجارب روّادها الأوائل الذين ماتزال لوحاتهم تتصدّر أهم المتاحف العالمية كما ذكرنا سابقاً، دون إغفال الإرث الفنّي الغنيّ الذي جادت به أوابدنا وآثارنا الخالدة في تدمر وأوغاريت وعمريت و…، في حديثٍ يطول، له تتماته وتبعاته.
ريم جبيلي