يـُحكى أنَّ…

العدد: 9393

الثلاثاء23-7-2019

 

تعبرني المسافات وأنا المسمَّر على جسر اشتياقي، ألملم حنيني من على أرصفة القلق والضياع، أتملّى القمر الناشر ضوءاً مخملياً.
تسمرت نظراتي على تضاريسه، ورأيتني أحضن الضوء القادم عبر أشعته، ثم أخبئه في محارق الدمع والشوق، وأزرعه على مفترقات الرحيل والغياب وعداً يجيئني دافئ الخواطر والرعشات.
أذكر أني حادثتك ذات خريف هارب، كانت أوراق الصفصاف الصفراء تتراقص فيما بينها وتخبرني: أن عليَّ أن أجري بعيداً ومن دون أن يجري خلفي قلقي الوثّاب فثمة متسع للصراخ واللهاث، فأصرخ ما شئت وألهث ما شئت، فلربّ صراخ يأتيك بصدى(لبيك) وربَّ لهاث يجلب راحة مبتغاه؟
يحكى أنه كان لبطرس الأكبر (قيصر روسيا) مؤدّب يتولى رعايته وتنشئته، حتى إذا ما شبَّ وقوّم عوده انتقل إليه الحكم، فانشغل عن مؤدبه شهوراً ستةً قضاها في خلق جيش وأسطول جديدين وقويين، وذات فراغ استدعى القيصر مؤدبه، فقيل له: إنه غير موجود، فطلب من جنده إحضاره، فلما مثل المؤدب أمام سيده، سأله القيصر: ما منعك من رؤيتنا وقد اشتقنا إليك؟
فأجابه المؤدب: لكي أصل إليك كان لابد من الانحناء أمام كثيرين، وظهري قاس لم يتعود الانحناء يوماً.
يحكى أن ثورين أبيض وأسود كانا يقيمان على مرج ممرعٍ اخضراراً، وكانا يعتاشان عليه بهناءة وكان يفيض عن حاجتهما، وذات جشعٍ أقدم الثور الأبيض ورسم خطاً في المرج وقال للثور الأسود: هذه حصتي وتلك لك..
نظر الثور الأسود باستغراب ثم تمعن في القسمة وكانت مجحفة بحقه فقال:
– وما الحاجة إلى القسمة؟ إنه يكفينا طعامنا، بل ويزيد.
– قال الثور الأبيض: هذه حصتي وتلك لك، وليس لك إلا أن تقبلها.
– فقال الثور الأسود: إن كنت مصراً على القسمة فلتكن عادلةً.
– قال الأبيض: هي قسمتي وعليك القبول بها.
– قال الأسود: لكنها قسمة (حيزي)
– قال الأبيض: هي كما أردت وإلا فالحرب بيننا.
وبدأ العراك، نطحة من هنا ونطحة من هناك، شخير هنا وزفير هناك، وظلَّا على هذه الحالة إلى أن خارت قواهما وأثخنتهما الجراح فألقيا جسديهما أرضاً ونظرا إلى المرج وقد تعفر وأضحى مملوءاً بالحفر، فقال الثور الأبيض معاتباً: لو قبلت قسمتي لما حدث ما حدث.
فأجابه الأسود: لم تكن مضطراً للقسمة، لقد كان يكفينا معاً.
قال الأبيض: لا يفيد الندم بشيء لقد تأكد لي أن الحياة لا تستقيم بجشع أو عداوة بل بالمحبة، وبالمحبة تنال ما أنت طالبه.

سيف الدين راعي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار