كل أحد مع هموم الناس … الدراما السورية حضور أم أفول

 العدد: 9283

الأحد 3-2-2019

 

 تركت الدراما السورية أثراً واضحاً وكبيراً في تاريخ الفن العربي والمحلي عموماً، وكانت لها بصماتها في ذاكرة الناس والنقّاد والفنانين، إذ عاشت أيام عزّ اكتسحت بها كل الشاشات الفضائية، وكان هناك زخم واضح في الإنتاج الدّرامي السنوي، والذي لاقى رواجاً وإقبالاً كبيرين، قابله دعم مادي لا محدود وسباق محموم للظفر بأروع وأقوى النتاجات الدرامية، وخاصة في موسم شهر رمضان الذي أصبح طقساً سنوياً يشتغل المنتجون والمخرجون والفنانون على ملاقاته بأبهى المسلسلات والأعمال الدرامية، ويضعون كل إمكانياتهم وقدراتهم لإنجازها، وتقديمها وجبات دسمة تلازم الصائمين طوال أيامه، ليعاد عرضها بعد انتهائه لكن في تواقيت عشوائية، وهنا لابد من التعريج على الفترة الذهبية التي عاشتها الدراما السورية، إذ كانت تخلو الشوارع والمقاهي من المارة والسيارات والناس تزامناً مع توقيت عرض بعضها، ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر: الزير سالم والكواسر والجوارح وغيرها الكثير.

وحرص القائمون على الدراما وصنّاعها عبر تاريخها على التنويع وتقديم باقة أو تشكيلة واسعة ترضي مختلف الأذواق والأنماط، من مسلسلات البيئة الشامية وأشهرها باب الحارة إلى التاريخية وأقواها إخوة التراب إلى الكوميدية وبقعة ضوء الذائعة الصيت إلى الاجتماعية ومنها القديم ومنها المعاصر مع كمّ هائل من هذا النوع تحديداً، لما لاقاه من إقبال جماهيري كبير على متابعته من مسلسل الدغري إلى أبناء القهر وغزلان في غابة الذئاب ومرايا، نهاية رجل شجاع، الفصول الأربعة، ذكريات الزمن القادم.. وتطول القائمة…
إضافة إلى مسلسلات السّير الذاتية التي تناولت شخصيات تاريخية وسياسية واجتماعية كان لها حضورها وأثرها الفاعل في مجرى التاريخ كصلاح الدين الأيوبي وزنوبيا و …

خلال السنوات الأخيرة شهدت الدراما السورية تحديات كبيرة وصعوبات ومعوقات حدّت من انتشارها وأطفأت ألقها وخبا نورها وشعاعها إلى حدّ ما فظروف الحرب القاسية التي مرّت بها سورية الغالية أثرت وأرخت بظلالها على مختلف مفاصل الحياة وانشغل الجمهور بتفاصيلها ويومياتها وأحداثها ومتطلباتها وحاجاتها ليبتعد عن متابعة الدراما وآخر صرعاتها وأعمالها ولئن حاولت هذه الأخيرة مقاربة الواقع اليومي للحرب وتقديم أعمال تلامس الحياة اليومية وتصوّر قساوة وفظاعة الحرب ومشاهداتها وويلاتها لكنها جاءت متواضعة ودون المستوى المطلوب والذي يليق بتاريخها وسمعتها وشهرتها العربية والعالمية وهنا يحضرني مسلسل (شوق) الذي قارب إلى حدّ ما بعض مجريات وواقع الحرب والمأساة السورية.
ولا شك أن هناك ثمّة عناصر أولية وأساسية لنجاح أي عمل درامي بدءاً من النصّ الجيّد إلى المخرج والفنانين والفنيين أي الكادر الفني المختص وكلّه يشكل وحدة متكاملة إذا ضعُف أي عنصر من عناصرها ضعفت بقية العناصر وتلاشت.
ونلاحظ في السنوات الأخيرة عزوف فنانين نجوم ومشاهير عن المشاركة في أي عمل درامي سواء محلياً أو عربياً وفضّل العزلة والتقوقع على نفسه وكأنه غير معنيّ بما حوله في المقابل سطعت أسماء جديدة أثبتت حضورها وألقها وقدمت أعمالاً تحسب لها ولتاريخ الدراما السورية.
كما ظهرت ظاهرة درامية جديدة هي الأعمال العربية المشتركة التي أثّرت سلباً على واقع الدراما السورية نوعاً ما وضاعت هوية هذه المسلسلات بلهجاتها المختلفة وقصصها اللا مشوّقة وزجّت بنجوم الصفّ الأول فيها لمجرّد الاسم لا أكثر ولا أقل بغض النظر عن القصة أو النصّ أو الحبكة الدرامية أو الغاية المرجوّة منها لتبدو ضعيفة هزيلة هشّة لا تعلق بالذاكرة ولا تحسب في تاريخ الدراما.

والملفت وجود نجوم من الطراز الرفيع انسلخوا تماماً عن الدراما السورية، لنراهم أبطالاً في عمل مصري أو لبناني أو خليجيٍ، ما يرفع من سويّة هذه الأعمال إلى مصافِ الدرجة الأولى وتلقى دعماً ورواجاً تسويقياً أكثر من غيرها لمجرد وجود أسمائهم فيها، ورغم الإمكانيات الكبيرة التي توضع في خدمة هذه الأعمال ودعمها مادياً ومعنوياً إلا أن بعضها ما يزال دون المستوى الذي وصلته درامانا السورية إلى حدّ ما.
ومن الظواهر الجديدة – القديمة – التي انتشرت انتشار النار في الهشيم وتتسابق الفضائيات إلى دعمها وشرائها، المسلسلات المدبلجة وتحديداً باللهجة السورية المحكية لما لاقته هذه الأخيرة من قبول جماهيري واسع، لعبت بساطة مفرداتها وسهولة فهمها ولكنتها الجميلة المحببة دوراً كبيراً في انتشارها، إضافة إلى التاريخ الدرامي السوري العريق الذي يجعلها قريبة إلى القلب والأذن، وهنا العتب الكبير على فنانينا الذين اشتغلوا ويشتغلون عليها وبعضهم أسماء كبيرة، تناسوا تاريخهم الدرامي الأصيل وانغمسوا في هذه الموجة الدّارجة وكأنها موضة يتسابقون إليها، ولعبوا دوراً بارزاً في إنجاحها وزيادة متابعيها، رغم مستواها الضعيف إن لم نقل الهزيل جداً: نصّاً وإخراجاً وتمثيلاً، تعتمد على الصورة فقط دون بقية العناصر والعوامل الأساسية في بناء أي عمل درامي يليق بجمهورها ومتابعيها، ويبرر القائمون عليها لهفتهم إلى إنتاج المزيد منها بحجج وذرائع كثيرة، بعضها واهية وبعضها محقّة.
لكن لابدّ من كلمة بحق درامانا، طالما هناك التمويل والدعم الإنتاجي الجيدين، ولا ينقصنا الكاتب الملتزم بقضايا مجتمعه ووطنه، وأسماء مخرجينا ألمع من الأسماء العالمية، وكذلك فناننا السوري الذي تربّع على عرش الشاشات، بقدراته وإمكانياته الفنية الهائلة، التي ما يزال بعضها كامناً وتحتاج من يكتشفها، وغير ذلك من عوامل النجاح والتألق، كلّها موجودة، لكنها تحتاج من يوالف بينها ويجيد انتقاءها، لينتشل درامانا من هفوتها ويخرجها من عنق الزجاجة التي حبست نفسها فيه، ليعود إليها ألقها ووهجها ونورها الذي لم ولن يخبو أبداً.

 

ريم جبيلي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار