قبل الرحيل

العدد: 9379

3-7-2019

مهما طال الزمن وباعدت المسافات، تقاسيم وجهه وصورته حاضرة, نغمات صوته وابتسامته محفورة في الذاكرة, من كان من أقرانه جميعاً أو أكبر منه سناً, رحلوا جماعات وفرادى، طاروا كأوراق الشجر في خريف العمر, وبقي وجهه نضراً أخضر على يباس الحياة وشظفها..
أبو وديع, الرجل التسعيني, الطيب القلب, أمسى وحيداً بعد أن فارقته شريكة حياته منذ أكثر من خمس سنوات, أصبح صدى لذاك الجيل الذي كان وجوده كالغيث في الأرض الموات.
لطالما رأيته يعمل ولا زال من دون توقف, صوت معوله مع حجارة الأرض وتربتها أو وقع خطواته وعصاه يترك إيقاعاً متناغماً مع ذاك الجهد الذي يبذله. يقول: سر الحياة ألا نقف عن الحركة, والأرض نحن بحاجتها وهي أمنا وستحضننا جميعاً..
عندما سألته مرةً: لمَ أجهدت نفسك في حفر الآبار وجر المياه سنيناً من عمرك, في قرى وأماكن هنا وهناك في غير أرضك, أجاب: الماء أساس الحياة للناس والأرض والمخلوقات كافة, ما قمت به أتقنته وأخلصت في عملي ومن أجل أسرتي.
سأله أحدهم ذات مرة: بعد مرور هذه السنوات الطويلة من الحياة عندك, هل شعرت أو تشعر بالخوف من الموت؟ كان جوابه: الموت نعمة به تتجدد الحياة, والشريف فيها لا يخافه.
كثيراً ما يقطع الطريق من البيت إلى الحقل أو العكس مشياً دون وسيلة نقل, صباحاً أو ظهراً أو مساءً.. كان يتفادى لحظات الحزن قدر المستطاع, ويقول: لنبتهج ما استطعنا، لأن ساعة الحزن لا بّد من قدومها.
أمّا عن رفيقة دربه وشريكة أيامه التي سبقته إلى عالم الآخرة منذ سنوات, قال: كانت معي ومع الأبناء, مثال الزوجة والأم الصالحة الحنون – رحمها الله – في آخر أيام حياتها شعرت بها مثل الحلم مستندة إلى مقعدها وقد مضت بضع ساعات من نهار ذاك اليوم وحين تفقدتها, كانت قد ماتت.. هذه هي الحياة, نحن على دربها في مشوار لا بّد من نهايته.

بسام نوفل هيفا

تصفح المزيد..
آخر الأخبار