على طــــــــريق إعــــادة الإعمـــــار «21»..الريــف «أمــان المدينــــة» فلمـــاذا ضـــاع الريفيـــون في زحمــة شــوارعها وعلى أرصفتهـــا

العدد: 9375

 الخميس 27-6-2019

 

كان وإلى وقت قريب جداً ريفنا الجميل مصدر الأمان الأكبر (غذائياً على الأقلّ) ليس لأبنائه وحسب وإنما أيضاً لسكان المدينة، والذين لم يكونوا يفكرون أو يخشون من أي عواقب، طالما الأرض القريبة منهم خصبة (والله مبارك فيها)، وطالما ساكن تلك الأرض يحبّها وتحبّه، يعطيها ليأخذ منها، ويهتمّ بها لتكون (ستراً وغطاء) لاحتياجاته، وعنواناً لأفراحه ومناسباته السعيدة..
لن نذهب إلى (التهويل)، فما زالت تلك الأرض حبلى بخيراتها، وما زال صوت المعول يطربها، لكن أن نكون موظفين ورجال أعمال ومعقّبي معاملات أيام الدوام الرسمي و(فلاحين) بعد ظهر الخميس ويوم الجمعة فهذا غير كافٍ، ومن هنا بدأنا نظلم أنفسنا، ونتنكّر للأسباب والمقومات التي أبقت سورية دولة منيعة ذات سيادة وقرار طيلة العقود الماضية، ومن عاش حصار الثمانينيات من القرن الماضي يدرك كم ساهم إنتاجنا الزراعي بشقّيه النباتي والحيواني بذلك الصمود الأسطوري الذي نكرره منذ ثمان سنوات ولكن بوطأة أشدّ هذه المرّة، لأن ثمّة معايير تغيّرت وبعض المقومات غابت أو استُبدلت أو انحرفت عن مسارها الصائب!

تنمية الريف خطوة مطلوبة للعودة إلى المعادلة الصحيحة، لكن تنميته بشروط صحيحة لا بخطابات إعلامية غير مركّزة معظم الأحيان . .

الريف، وخاصة البعيد منه عن الخدمات الأساسية يستحق أكثر مما يُقدم له، ومشاريع التنمية التي يُعلن عنها أو المساعدات التي تُقدم لبعض أفراده غير كافية، والحلول الفردية التي تراهن عليها الحكومة (كلمة حق أريد بها باطل) لأن القريب منها يعلم أنها غير مجدية مع أنها تستهلك (مالاً) كثيراً . .
لا ننكر (على طرف آخر) وجود بعض الخطوات الصحيحة، وهذا ما نريد تعميمه، وسنعرض لبعض الحالات الإيجابية . .
ألتون الجرد في بانياس مثالاً
مشروع إعادة إحياء مركز التنمية الريفية في منطقة التون الجرد بريف بانياس وذلك في إطار التعاون المشترك بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ومحافظة طرطوس والذي يهدف لتنمية دعم قدرات المجتمع المحلي لأهالي المنطقة، يعتبر مشروعاً رائداً ومثالاً يحتذى بالعناوين العريضة وبما هو قائم . .
وحسب تصريحات القائمين عليه لدى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي 22 مشروعاً في طرطوس.
مشروع ألتون الجد في بانياس (. . يوفر أكثر من 400 فرصة عمل ومجموعة المستفيدين المباشرين تتجاوز 2000 فيما تتجاوز مجموعة المستفيدين غير المباشرين هذا العدد إضافة إلى أنه يتضمن إعادة تأهيل للمركز نفسه وتعافياً اقتصادياً ودعم التماسك الاجتماعي . .).
في تصريح سابق للسيد محمد بلول رئيس مجلس إدارة جمعية (وطن) التنموية المشرفة على تنفيذ المشروع قال: (إن المشروع يهدف إلى إنشاء وإعادة تشغيل عدد من الورشات المهنية الإنتاجية بهدف خلق فرص عمل للمجتمع المحلي في المنطقة وإعادة تأهيل المباني والمرافق بالتجهيزات وتزويدها بالطاقة المتجددة وتنفيذ دورات مهنية متخصصة لتشغيل الورشات الإنتاجية مثل خياطة وتريكو وأعمال يدوية ومزرعة أبقار وورشة ألبان وأجبان وزراعة الفطر وإعادة إحياء 6 ورشات للسجاد اليدوي وخلق فرص عمل للسيدات المعيلات وأسرهن، ولفت إلى أنه سيتم تشغيل هذه الورشات من خلال الإدارة المشتركة بين مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل في طرطوس وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمديريات المعنية في المحافظة والجمعيات المجتمعية التي ستدير الورشات بهدف ضمان استدامة المشروع).
على أرض الواقع فإن هذا المشروع يمشي كما هو مرسوم له ويترك بصماته الواضحة على أرض الواقع وهذا هو الهدف . .
محاولات ولكن!
لا ننكر وجود (النيّة الطيبة) في محاولات كثيرة قدّمت دجاجاً بيّاضاً أو بذور زراعية أو وسائل ري أو خدمة (الحاكورة المنزلية) أو فتح مهرجانات ومناسبات لتسويق منتجات المرأة الريفية، ولكن -وقد كنّا قريبين من كل هذه المحاولات- فإن النجاح لم يحالف هذه المحاولات إلا نادراً والأهمّ منها وبدل أن تتم بعثرة المليارات في شبه مشاريع غير مجدية لتكن هناك منشآت تستوعب المستهدفين بشكل جماعي وبمشاريع يعود ريعها للدولة والتي ستكون ضمان نجاح هذه المشاريع، أي بدلاً من توزيع 15 دجاجة، لماذا لا تكون هناك مدجنة تستوعب عشرات النساء وتشكّل مشروعاً اقتصادياً؟
تنمية الريف لا تتوقف عند تحقيق الاكتفاء الذاتي (اقتصادياً وغذائياً) لأبنائه بل بإعادته إلى دوره كمصدر غذاء وتلبية احتياجات المدينة المجاورة، ومنع تدفّق أبناء الريف باتجاه المدينة فيشاركون أهلها إشغال أرصفتها وزحمة شوارعها . .
ترحيل بعض المنشآت والمراكز التنموية والخدمية وحتى الاقتصادية باتجاه الريف يساهم أيضاً في استقرار المعادلة، تحسين الخدمات العامة وخاصة ما يتعلق منها بالصحة والتعليم والطرق يخلق حالة استقرار أخرى . .
إنعاش السياحة الريفية.. فائدة في الاتجاهين
يمتلك ريفنا الجميل كل مقومات السياحة النوعية، ولكن نقص الخدمات على الطرق المؤدية إلى هذا الريف، وداخل الريف نفسه يجعل دورها يتراجع كثيراً، بل قد يخرج الريف من معادلة السياح في أماكن كثيرة منه . .
* الاهتمام بالطرق المؤدية إلى المناطق الجبلية الجميلة والمواقع الأثرية في الريف وتزويدها بشاخصات الدلالة وبنقاط طبية متحركة سيكون له أثر كبير في تنمية الريف . .
* دعم بعض الحالات الفردية (تنّور . . مطبخ صغير . .) ومساعدة أصحابه على تجميل شكله وتزيينه بدل الضغط عليهم وابتزازهم . .
* توفير الوقود على الطرق الجبلية، ووجود نقاط شرطية، وكل ما يبعث الأمان في نفوس المواطنين سيساهم أيضاً في إنعاش الريف . .
* تحسين الواقع الخدمي في القرى سيعود بالفائدة على الطرفين: أولاً على أهالي المنطقة الذين سيجدون فرص عمل إضافية وثانياً على أبناء المدينة الذين لن يتعذبوا بالبحث عن خيارات سياحية وترفيهية.
* تعزيز دور الوحدات الإدارية في الريف بشكل يعوّض أبناء هذا الريف عن المدينة ويغنيهم عن (التدافش) بحثاً عن مقعد في (سرفيس) متجه إلى المدينة..
* تطوير الخدمات الصحية في الريف (ريف جبلة مثلاً)
والقائمة تطول وليست غائبة عن بال أحد، وإن جاء الرد بأن الظروف الحالية لا تساعد فإن السؤال يحضر: ماذا فعلتم عندما كانت الظروف مناسبة . .
نعرّج في تتمة هذا الملفّ على (نماذج) من الخدمات والمشاريع ولا نحيط بها، ولكن من خلال إلقاء نظرة سريعة عليها، وعلى الرغم من إيجابية ما يتمّ العمل عليه إلا أنّ السؤال: لماذا لم تكن هذه المحاولات قائمة من قبل؟
عندما نتحدث الآن عن تنفيذ مشاريع مائية ألا يعني ذلك حتماً غيابها سابقاً؟
وعندما نشير إلى تنفيذ مدارس (للمرة الأولى) في هذه القرية ألا يعني ذلك أن أبناء هذه القرية كانوا يتعذبون بالذهاب إلى قرية أخرى من أجل تلقّي تعليمهم؟
في هذا الملفّ تحديداً، فإننا لا نشخّص الواقع لأن ذلك بحاجة إلى مجلدات، ولأننا وخلال سنوات من عملنا في هذه الصحيفة المحلية وصلنا إلى أبعد نقطة في الريف ونقلنا صورة الواقع كما هي وحملنا همّ هذا الريف إلى أصحاب القرار، حضرت الاستجابة حيناً و (التطنيش) حيناً، والوعد حيناً ثالثاً، لذلك لا نجد أي ضرورة بإعادة نشر ما أتينا على ذكره سابقاً، وكان بالإمكان أن نكتفي بالعنوان لنشير إلى أهمية أن يكون الريف (مشروعاً تنموياً حقيقياً) وهذا ما ننتظر أن يتمّ العمل عليه في خطط المخططين لمستقبل سورية عمرانياً واقتصادياً واجتماعياً . .

كتب: غـانــــــم محــــــمد 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار