العدد: 9282
الخميس 31-1-2019
لابد أن الكثير منّا سمع بعوامل الحت والتعرية أو قرأ عنها، هي عوامل ابتدعتها الطبيعة الصبورة، فأضحت بمثابة أصابع الفنان القدير الذي يبدع لوحاته على مدى مئات وآلاف السنين ليمتع الأبصار بتشكيلات الصخور على قمم الجبال وتموجات مجاري الأنهار في بطون الأودية، ويثلج الصدور بينابيع ماءٍ يترقرق لجينها في أجواف شاربيه قبل ترقرقه على صفحات الصخور، عدسات جريدة الوحدة التقطت في مدينة اللاذقية تشكيلاتٍ لكتل الطحالب والقاذورات و تموجاتٍ لتقيؤات المجارير وينابيع ماءٍ عديمٍ آسنٍ يسقم الأرواح قبل الأبصار في العقار السكني رقم 1515 طوق البلد الواقع في الرمل الشمالي شارع غسان حرفوش، هذه اللوحة البائسة الطبيعة منها براء، والعوامل التي شكلتها تستحق اسم عوامل الفت والتجربة وهي عوامل لا توجد في بطون كتب الجيولوجيا والجغرافيا لكنها تتواجد حيث يتواجد التعنت من قبلِ مواطنٍ يحتمي بثغرات القانون وروتين الملفات المكدسة، وحيث يتواجد الإهمال واللا مبالاة من قبل الجهات المسؤولة التي لا تستفيق من سباتها إلا عند وقوع ساعة الغفلة فيتعالى الصياح: يا غافل لك الله!.
هذه اللوحة التعيسة إن صحّت تسميتها باللوحة تشكلت نتيجة تسرب من أنابيب الصرف الصحي العائدة إلى شقة في الطابق الثاني من العقار المذكور آنفاً، والتي تعود ملكيتها الى المواطن (ح،ح)، التسرب بلغ من العمر صقيعه الرابع، هذا يعني أننا أمام تسرب من مجارير الصرف الصحي في عقار مسكون لمدة تزيد عن الأربع سنوات الأمر الذي أدى الى ضرر جسيم في الهيكل الإسمنتي للشقق الكائنة تحت مصدر التسرب، وأضحت غير قابلة للعيش الصحي والكريم، إذ تشربت جدرانها وأسقفها المياه الملوثة وتحولت إلى بؤرة للمرض والسقم، أصحاب الشقق اشتكوا على صاحب العقار المتسبب بالضرر دون جدوى، صاحب العقار يرفض إصلاح الضرر، والشكاوى المقدمة من قبل قاطني العقار يتكرر تأجيلها إلى ما شاء الروتين، لكن الضرر قائم ويستمر ويتوغل مع تقادم الأيام والمفجع في الأمر أن الضرر تجاوز حدّ الأذى الفردي لأشخاص يقطنون تحت مصدر التسرب إلى أذى وضررٍ عام قد يؤدي إلى كارثة مجتمعية من شقين، الأول أن هذا التسرب قد يؤدي مع ازدياد تآكل الجسور الحديدية تحته إلى تعرض البناء إلى خطر الانهيار في حال استمر التسرب، أما الشق الثاني وهو بيت قصيدنا الحالي في هذا التحقيق يتلخص في أن ضرر التسرب وصل إلى مخبز (الريحاوي) الكائن في الطابق الأرضي من العقار وجدران المخبز الذي يطعم يومياً ما يزيد عن السبعمئة عائلة مغطاة بطبقة من الطحالب والمخلفات الآسنة بينما تقبع آلة العجن وسطها ويزدحم الناس خارج كوة المخبز يشترون إكسير الحياة دون أن يعرفوا أن الرغيف الذي تعودوا عليه مجبولاً بعرق الفلاح السوري الأسمر قد عجن بماء يخالطه سواد السقم ولعنة المرض، وعلى الرغم من الشكاوى المتكررة من قاطني المبنى ومستثمر الفرن لم تقم الجهات المسؤولة باتخاذ خطوة حاسمة لمنع استمرار التسرب هذا ما أكده لنا المستثمر عند لقائنا به وسط ظلام دامس يحيط بفرنه بعد أن أضحى الماس الكهربائي يشكل له رعباً حقيقاً قد يشعل ناراً تأكل الفرن وأصحابه ناهيك عن رائحة النتن الواخزة المتسربة مع المياه المالحة على الجدران.
ما يثير الاستغراب هو تقديم سكان المبنى للجهة الإعلامية أوراق ثبوتية تعود إجراءاتها المتخذة بحق المشتكى عليه إلى العام 2015 نورد من ضمنها:
جواباً على الشكوى المقدمة من قبل سكان بناية الريحاوي برقم/5669/ والشكوى رقم/7633/ لعام 2015 والمسجلة لدى ديوان المحافظة برقم 1327/م ش لعام 2015 تمّت إحالة موضوع الشكوى إلى لجنة السلامة العامة لإجراء الكشف ولم تتمكن حينها بسبب كون باب الشقة مغلقاً وذلك بتاريخ 7/4/2015 وبناء عليه تم إرسال إخطار للمدعو (ح.ح) برقم/241/ لعام 2015 وذلك بناء على كتاب لجنة السلامة العامة لاحقاً تمّ تأمين مؤازرة من قبل شرطة مجلس المدينة وتم التوجه الى الشقة المذكورة برفقة مختار المحلة مرتين وتمّ تشميع الشقة المذكورة احترازياً بالضبط رقم /51/ لعام 2016 لحين مراجعة صاحب العلاقة (المشتكى عليه) وتقديم الثبوتيات اللازمة لمجلس المدينة ليصار لاحقاً إلى فك الشمع وإجراء الكشف اللازم من قبلنا واستكمال الإجراءات حسب الأنظمة والقوانين، وعلى الرغم من هذا التبليغ لم تحل المشكلة.
كما نورد محضر لجنة يؤكد الادعاءات على المشتكى عليه مفاده:
بناء على الأمر الإداري رقم /943/ تاريخ 5/11/2017 القاضي بتشكيل لجنة السلامة العامة في مجلس مدينة اللاذقية …..إلخ.
قامت اللجنة بالكشف على العقار رقم 1515 طوق البلد الواقع في شارع غسان حرفوش بتاريخ 13،2/2018 وتبين ما يلي:
الشقة العائدة للشاكي تقع في الطابق الأرضي وبالكشف عليها تبين وجود هبوط في أرضية المطبخ والغرفة المجاورة في (الركة) الموجودة تحت البلاط مع وجود شق في (الشناج) الحامل للجدار في هذه الغرفة نتيجة وجود تسرب للمياه من الطابق الذي يعلو الشقة مما قد يشكل خطراً على السلامة العامة في حال عدم إجراء المعالجة الفورية له، كما لوحظ تسرب للمياه المالحة من الشرفة الأمامية من جهة الجسر العرضي الحامل مما قد يؤدي إلى صدأ في حديد هذا الجسر مع الزمن.
لذلك ترى اللجنة:
1- إخطار مالك الطابق الذي يعلو هذه الشقة بإصلاح موضوع تسرب المياه الحلوة والمالحة قبل إجراء أي إصلاح وتدعيم في شقة الشاكي.
2- إخطار مالك الشقة بإجراء التدعيم اللازم أصولاً بعد إجراء الإصلاح المشار إليه أعلاه.
وحتى تاريخه لم يتم اتخاذ أي إجراء قانوني يلزم المشتكى عليه بتصليح عطل لم يتسبب بأذى شخصي فحسب إنما أضر بالمصلحة العامة، ولهذا اقتضى التنويه إلى كل مما سبق.
أخيـــــــراً:
الموضوع يتلخص في وجود ضرر يمكن للجهات المسؤولة أن تتلافى عواقبه الوخيمة بتدخل سريع وقرار حاسم بمنع تسرب المياه في العقار المذكور تفادياً لوقوع كارثة هندسية قد تجعل من صورة البناء آنف الذكر مادة أساسية في صفحات الكوارث في الصحف المحلية والدولية وتفادياً لوقوع كارثة صحية قد تجعل من خبز المواطن سماً زعافاً لا تطيقه حتى الجرذان التي شاهدناها ترتع في المخبز الموبوء فقط لأن مواطناً يصر على تعنته ويرفض إصلاح ضرر هو من تسبب فيه ضارباً عرض الحائط بكل القيم الأخلاقية والقانونية والشرعية.
في غابر الأزمان قالت العرب لأبرهة الحبشي الذي كان في طريقه إلى البيت الحرام على ظهور الفيلة يريد هدمه: للبيت رب يحميه وتمّ الأمر وحمت أبابيل الإله وسجيله بيته الحرام لكن الأمر ذاك الزمان كان أمراً عظيماً يتعلق بالله وبيته وفيلة ضخمة أتت لهدمه، الأمر اليوم يتعلق ببيت مواطن ومخبزه وبفئران ترتع على ماء عجينه وبالتالي يتوجب أن يكون لبيت المواطن وخبزه جهة مسؤولة تحميه ولا يحتاج الأمر هنا الى طيورٍ أبابيل ولا إلى حجارة من سجيل كل ما يحتاجه الأمر في الحقيقة (مفتاح رنش) إنكليزي أو هندي يتم بواسطته إغلاق السكر الرئيسي في شقة المواطن المتعنت إلى أن يصار لإصلاح العطل والضرر، ليس المطلوب إيقاف تسرب في أحد السدود ولا إصلاح شرخ في مكسر أحد الموانئ، المطلوب إغلاق سكر وإصلاح أنبوب من أجل إيقاف خطر يهدد صحة مئات العائلات.