اختزل طينها حكايا الماضي وتعايش مع الحاضر صناعــــة الفخـــــــار تحتضــر فكيف ننقذهـا ونعيد ألقهـا وتميزهـا

العدد: 9370

20-6-2019

ارتبطت صناعة الفخار بوجود الإنسان منذ القدم، واستمرت هذه الحرفة حتى أصبحت اليوم نوعاً من التراث الثمين، ورمزاً من رموز الأصالة والتاريخ، حيث تعتبر واحدة من الصناعات التقليدية. 

ورغم انتشار صناعة الفخار في كثير من دول العالم إلا أن للفخار السوري لمسة خاصة، ومما لاشك فيه فأن الفخار يعتبر مقياساً لمعرفة الحقب الزمنية والاستدلال به على الماضي، حيث تعتبر الطينة الحمراء المادة الأساسية في صناعة الفخار، وقد يستخدم الفخار بلونه الأساسي والطبيعي أو تضاف إليه بعض الصبغات وترسم عليه بعض الرسومات كالزهور والأشكال الهندسية وبعض الكلمات.
إبداع وابتكار

أمام هذا الواقع سنحاول قدر المستطاع تسليط الضوء على صناعة الفخار بين الأهمية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية وكيف يمكن أحياء هذه المهنة التقليدية حيث التقينا شريحة واسعة من المواطنين لمعرفة واقع الفخار اليوم.
يقول (غيث أسعد) كان يعمل في صناعة الفخار: شكلت صناعة الفخار عبر التاريخ تجسيداً لروح الخلق والابتكار ولكن مع التطور والتقديم أصبحت هذه الحرفة تتلاشى تدريجياً، لذلك لا بد من تطوير وإحياء هذه الصناعة بتوفير كل ما يلزم لها، ورفع مستوى الدعم المعنوي والمادي لكل من يعمل بها حتى تندرج في سياق الحرفة المستدامة، مع مراعاه واندماج البعد البيئي لها، ونوه إلى أنه لابد من تهيئة مناطق خاصة بهذه الأنشطة مع تزويدها بكل ما يلزم للحفاظ على صناعة الفخار، فقد شهدت تراجعاً مستمراً في العقود الماضية وقلّ الاهتمام بها إلى درجة أنها أصبحت مهددة بالانقراض، وأمام فقدان البلد لأحد رموز التراث العريق لابد من إحياء هذه الصناعة ووضع خطط لإعادة اعتبار هذه الصناعة وبعثها من جديد.
* محمد صافي صاحب محل لبيع أدوات منزلية قال: إن مهنة الفخار أصبحت اليوم شبه معدومة فما كنا نراه سابقاً في المحلات والشوارع والأسواق غاب اليوم بشكل نهائي فلا نشاهد أي قطعة فخارية إزاء الانحسار الحاد لصناعة الفخار وتسويقها ورواجها، فقد كانت هذه المهنة من أوانٍ وأقداح وقدور وغيرها رائجة في السبعينات حتى أواخر الثمانينات وكانت تجارتها رائجة ومزدهرة، فكثير من السياح والمغتربين كانت محط أنظارهم وكانت مصدر دخل لكثير ممن يعملون بها، ولكن الوضع اليوم بدأ يتغير وخاصة في السنوات الأخيرة حيث بدأ الاهتمام بهذه الحرفة التقليدية يتراجع بفعل عوامل متعددة.
قلة الاهتمام

 

وفي هذا الخصوص فإن سيرة الطين ما بين الماضي والحاضر رحلة طويلة وتاريخية حيث انتشرت في مناطق شتى من البلاد، لذلك يبقى الخزف والفخار من أقدم ما يخترعه وتختزنه الذاكرة السورية التراثية فقد قال (سعد الكفيري) أحد بائعي الفخار: تعتبر حرفة صناعة الفخار واحدة من أقدم الحرف التي عرفها الإنسان حيث توارثها الأبناء عن الآباء والأجداد وظلت محافظة على رونقها وشكلها الأصلي فقد ارتبطت حرفة صناعة الفخار باكتشاف النار ويعود ذلك للتأثير الواضح للنار على الطين بحيث يصبح أكثر قوة وصلابة، فالطين مادة يسهل تطويعها بأشكال متعددة وجميلة، فقديماً كانت صناعة الفخار تمثل حاجة المجتمع لها نظراً لعدم وجود الأدوات المنزلية الضرورية لذلك احتاج السكان إلى الأدوات الفخارية للحاجة الماسة في حفظ وطهي الطعام وتخزين المياه والكثير من الاستعمالات المنزلية، ونوه الكفيري إلى أن صناعة الفخار قد بدأت بطريقة تقليدية يدوية خالصة لم تدخل فيها الآلة في أي مرحلة من المراحل ومع مرور الزمن وحتى تاريخنا أصبحت صناعة الفخار صناعة حديثة جداً تعتمد على التكنولوجيا والآلات الحديثة وإن كانت تمر بالمراحل القديمة من حيث المواد الأولية، مؤكداً بأن صناعة الفخار حرفة تراثية تواجه خطر الاندثار، فمع مرور الزمن وظهور الأواني الزجاجية والألمنيوم والستاليس بدأت تتحول صناعة الفخار إلى زاوية أخرى إذ ظهرت منها أحجام وأشكال متنوعة لأواني الزرع والزهور والتماثيل والتحف والمباخر والجرات الخزفية المتنوعة الكبيرة منها والصغيرة، وبذلك تحول اللون الطبيعي للفخار إلى أصباغ ملونة متعددة ودخلت عليها مجموعة من الرسومات والنقوش والأشكال الجمالية التي تتميز بنقوشها وزخارفها بما يتناسب مع عصرنا الحديث.
حرفة الذوق الرفيع
وعن دور الجهات الحرفية والسياحية والثقافية والبيئة في إحياء هذه الحرفة التقينا (سمير غفرجي) أحد المهتمين بهذه الصناعة:
إن هذه الحرفة على الرغم من قدمها التاريخي وأهميتها التراثية إلا أن جيل اليوم ترك هذه الحرفة، فالعاملون بها منهم من مات ومنهم من تركها لكبر سنة ولعدم قدرته على إحيائها من جديد، والعامل اليوم ترك هذه الحرفة ولم يتقن فن صناعتها حيث اختفت من جيل الشباب بشكل كامل كون هذه المهنة من أصعب المهن لذلك التدرب عليها واتقانها يحتاج إلى فترة طويلة من الزمن ونوه إلى أن مهنة الفخار انتهت واندثرت في كثير من المدن والمناطق وتعتبر هذه الحرفة من أقدم المصنوعات الشعبية إذ يعود تاريخ نشأتها إلى القرن الرابع قبل الميلاد وقديماً كانت تستخدم بشكل واسع في الحياة اليومية والمنزلية ولتخزين الأطعمة والزيت واللبن والسمن وأيضاً للطبخ وتقديم الطعام لتصبح لاحقاً متعددة الأشكال والتصاميم بعضها خصص لزراعة الورد ويسمى قوارير وأخرى لطبخ اللحم والخضار ويطلق عليها فخارة كما تسمى معجنة لتحضير اللبن، وهناك بعض الأواني المشهورة لحفظ الماء البارد داخلها صيفاً، ويطلق على الجمع الكبير منها زير والصغير مشربة.وهناك عشرات الأنواع والأشكال الأخرى تعرض ضمن أسواق ومحلات مخصصة لذلك حيث صناعة الفخار تراجعت كثيراً بسبب تدني مستوى السياحية وعدم تسويقها وعزوف العاملين عن هذه الحرفة، بالإضافة إلى تطور الأدوات المنزلية وتحولها إلى مواد مصنوعة من اللادئن والزجاج وغير ذلك.
حرفة أصيلة
تعد صناعة الخزف والفخار من أهم ما يبرز أصالة وروعة المنتوج التقليدي فلكل مدينة أو منطقة ميزاتها وخصوصيتها التي قد تختلف قليلاً أو كثيراً عن بعضها إلا أنها في نهاية المطاف تلتقي في تقديم الموروث الثقافي المتنوع بأشكاله ومقوماته، وأمام هذا الواقع فأن الجميع مما القيناهم قد وصفوا هذه الحرفة وصفاً كافياً، ففي ظل قلة صناعة الفخار رغبنا أن نتقصى ذلك من خلال لقائنا مع السيد جهاد طه برو رئيس اتحاد الحرفيين في اللاذقية الذي قال: تعتبر صناعة الفخار من الحرف القديمة التي امتهنها أبناء اللاذقية وأبدعوا فيها بنماذج فخارية متعددة لعصور تاريخية مختلفة، ونوه إلى أنه يوجد عدد من مشاتل الصلصال وهو المادة الأساسية لصناعة الفخار، وإن حرفيي هذه المادة قاموا بتطوير صناعة الفخار وأدخلوا عليها رسوماً وزركشات بألوان مختلفة وزينة وإكسسوارات متنوعة وبعض الصدف البحري.ونوّه برو إلى أن هذه الحرفة تعتمد على الحس الفني للصانع، وقد تمكن سكان ما بين النهرين من معرفة الصناعات الكيميائية ولا سيما صناعة الفخار واكتشفوه قبل أربعة ألاف عام.
وبعد أكثر من سبعة أعوام من الحرب على سورية واستمرار آلة الإجرام بحق الشعب السوري تراجعت صناعة الفخار بشكل كبير كما توقف التصدير إلى الخارج بسبب صعوبة وصول المواد الأولية وغلاء أسعارها نظراً للظروف الأمنية وهجرة اليد العاملة.
وأضاف برو في حديثه عن أسباب تراجع هذه الصناعة بالقول: قد تأثرت في ظل الحرب الدائرة في البلاد كثيراً وكان أول أسباب تراجعها انقطاع الكهرباء وغلاء المحروقات ولكن بعض الحرفيين ما زالوا محافظين على تلك المهنة التي ورثوها من أجدادهم، وتأتي صناعة الفخار على قدم المساواة مع صناعة الزجاج فمنذ القدم وصناعة الفخار تظهر هنا وهناك أثناء الحفريات في المدينة وأيضاً كان لتوافر التربة الغضارية في أراضي المنطقة دور كبير في ازدهار هذه الصناعة واستمرارها ومع مرور الزمن من اكتسبت هذه الحرفة طابعاً تراثياً شعبياً لتصبح مصدر رزق ودخل رئيسي للكثير من الأهالي وتتمتع هذه الصناعة بالفن والإبداع، بعض الأهالي لازالوا يحافظون على صناعة الفخار بالطرق التقليدية كجزء أصيل من هوية البلدة.
وذكر برو: في الواقع ليس هناك كصناعة الفخار صناعة فنية تتطلب خبرة عملية وعناية فائقة واطلاعاً واسعاً وذوقاً فنياً ومفهوماً جمالياً ولكن هذه الصناعة رغم عراقتها مرت بمراحل اضمحلال عبر التاريخ، الأمر الذي يستوجب ضرورة إحياء من خلال دعمها ورعايتها وإنشاء معامل تضمن استمراريتها وترسيخ الخبرة الفنية والعراقة التاريخية لهذه الصناعة وفرض قيود على الصناعات الأجنبية لتمكين الصناعة المحلية من البقاء والاستمرار.
وفي الختام
لقد تراجعت صناعة الفخار تراجعاً كبيراً حتى كادت تتعرض بسبب عدم دعمها ودعم من يعمل بها وإغلاق الأسواق والمحلات المخصصة لبيعها وبيع منتوجات أخرى إضافة إلى تدين مستوى السياحة، ولذلك هذه الحرفة بحاجة إلى تطوير كون صناعة الفخار مهنة تراثية توارثها الآباء عن الأجداد ولتعبر عن تاريخ وعراقة البشر القدماء فما هو مصير هذه الحرفة وهل يمكن إحياؤها من جديد؟

بثينة منى 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار