الوحدة 2-3-2024
يتأكد لي أن جزءاً من مشكلتنا بصفتنا بشر، أننا دوماً في انتظار الحب.. ننتظر أن يطرق أبوابنا ليعيد إلينا أنفسنا ويذكرنا بأننا أشخاص رائعون كما يرانا الآخر، والحديث هنا ليس عن الحب بمعناه الضيق، رجل وامرأة ولكن بمعناه الأشمل أب وأم وجد وأهل وأصحاب ننتظر منهم، ومنذ الطفولة، أن يؤكدوا لنا أننا محبوبون.
هذا المفهوم الذي نشترك كلنا فيه، والذي كثيراً مايدفع بنا نحو إحباطات وتعاسة لأنه احتياج إنساني طبيعي: فالطفل منذ لحظات وعيه الأولى على العالم، وعلى قدر الحب الذي يأتيه من حوله، يتشكل وعيه بذاته وصورته عن نفسه.
ولاشك أيضاً في أن الأطفال الذين يعانون نقص المخزون الأول للحب يكبرون بمشكلات عميقة قد ضربت بجذورها داخلهم: فتراهم يتلفتون طوال الوقت حولهم في انتظار لحظة إعجاب وتأكيد دائم أنهم مرغوبون، لكن تلك ليست حالات ميئوساً منها، بل إنني أعرف بشكل يكاد يقيناً أن الحل للكثير من مشكلاتنا يكمن في داخلنا وليس في أي مكان آخر، ليس بالشيء الغريب أو غير الطبيعي أن ننتظر الحب.
ماذا لو جربنا أن نكون نحن مصدر الحب؟ .. أن نمنح الحب للأشياء والأشخاص بشكل غير مشروط، أي من دون انتظار مقابل فوري لما نمنح من مشاعر (أن نقع في الحب عدة مرات في اليوم الواحد) بإمكاننا أن نحب المجرات البعيدة، بإمكاننا أن نحب الأسماك في البحور والأنهار، وأن نحب النبات والحيوان والطيور والبشر وتحديداً هؤلاء الذين لا يشبهوننا.
أمر صعب؟ بالتأكيد لكنه صعب في بداياته فقط.
صعب أن نحب شخصاً لايوافقنا الرأي أو يقهرنا ويتحكم فينا أو يضايقنا ويوتر أعصابنا لكن علينا ألا نبدأ بالصعب، دعونا نفكر في أقرب الأشياء إلى أرواحنا.
مشهد غروب مثلاً أو اكتمال البدر: طفل يتيم في ملجأ أو أحد أطفال الشوارع، نبتة خضراء وقصيدة شعر أو فكرة.
تعامل مع شخص تقابله كما لو كانت أنفاسك قد انخطفت لرؤية أجمل الأشخاص، وعش كل موقف تمر به كما لو كنت غارقاً حتى أذنيك في الحب، وعندما تتجلى عين الرؤية فترى الأشخاص بطاقة البراءة الرائعة داخلنا عندئذ ندلف إلى المنطقة الأصعب: أن نحب من يختلفون عنا، وأيضاً من يتسببون في إزعاجنا وتوترنا ومن أجل تسهيل تلك المهمة من الممكن أن نبدأ بمحاولة فهم أسباب الاختلاف وتقصي دوافعهم في الفعل: ما قد ينتج عنه فهم أكبر لهم: من ذاق طعم هذه التجربة سيفهم فعندما نمنح العالم حباً، نكون بطاقة من الرضا والسعادة، وتبدأ أرواحنا في التقاط ذبذبات الكون المترددة بطاقة حب أبدية لا تفنى.. ومن لم يذق تلك التجربة فليحاول.
لمي معروف