كـــان اللـّـــه فــي عونهـــم.. الضغــــوط تحاصـــر طلابنــــا مـــن كـــل حـــدب وصـــوب.. والنتيجــــة! نبحث عن تفوّقهم فنقذف بهم بملء إرادتنا إلى التشتـّت والضياع

العدد: 9368

18-6-2019

 

 

لا أحد يتصل بنا.. لسنا مستعدين لاستقبال أي زائر.. لا نأكل، لا ننام، ولا نعرف غربنا من شرقنا.. لا تؤاخذونا لدينا (بكالوريا)!
هي حكاية كل عام، تنتقل من بيت إلى آخر لكن الثوابت نفسها، بل وتزداد (تعقيداً) من سنة إلى أخرى!
لماذا أوصلنا أنفسنا إلى هنا، أو من أوصلنا إلى هذه الحالة من الشدّ العصبي والتوتّر، وهل نسلك الطريق القويم، أم أننا وعن سابق قرار وتصميم نجلد أنفسنا ومن حولنا؟
في توطئة لما سنأتي عليه لاحقاً، ولدينا من الأدلة الشيء الكثير، فما أن ينهي الطالب دراسة الصف (الحادي عشر) حتى يدخله أهله في معسكر مغلق يستمر سنة كاملة دون الارتكاز على أي معايير نفسية أو جسدية أو ذهنية، المهم أن نبدأ التحضير للبكالوريا بغضّ النظر عن الكيفية، بل أن بعض الأهالي (ولدينا شهادات كثيرة بهذا الخصوص) لا يعيرون مواد الصف الحادي عشر أي اهتمام رغم التأكيد على أن المواد مرتبطة ببعضها البعض وخاصة الفرع العلمي، معوّلين في ذلك على ما ستنتجه الدروس الخصوصية المستمرة لمدة عام كامل كما أسلفنا، وفي هذا السلوك (والذي يكاد يتحول إلى ظاهرة عامة) ننسى أننا نضرّ أبناءنا ربما أكثر مما نفيدهم..
لن نقف كثيراً عند هذه المسألة على أهميتها ولكن لا نستطيع تجاهلها ونحن نتحدث عن الظروف التي يقدّم بها أبناؤنا امتحانات الشهادة الثانوية العامة، حيث تستنزف تركيزهم وقدراتهم العقلية والجسدية، وما أن ترى طالباً بعد (البكالوريا) إلا وتبادر القول: لقد تغيّرت، انحرفت صحتك، إلى آخر هذه المقولات التي تقترب من الواقع..

بدأ العام الدراسي (لطالب البكالوريا)، وبدأت معه الإجراءات (الأمنية) المشددة، كلّ ساعة لها عملها ودورها، على الطالب أن ينام ويصحو وفق ما هو مبرمج من قبل الأهل لا من قبله.. مساحات الترفيه قليلة، والأقسى: يجب أن يكون جميع الطلاب (أوائل) ومقتربين من العلامة التامة!
ايضاً بإمكاننا تجاوز هذه الجزئية، وكل شخص يتمنى أن يحصل ابنه على العلامة التامة، وفي مجتمع ما زال الطبيب فيه يحظى بمكانة اجتماعية خاصة، وبإمكانه أن يحقق دخلاً مادياً كبيراً، فإن كلاً منا يتمنى أن يصبح ابنه طبيباً، وهذا عامل ضغط إضافي، بل ويزيدون في ذلك عندما يقول الابن إنه لا يحبّ دراسة الطبّ، فيأتي ردّ الأهل: لا تعرف مصلحتك، أي أنّهم يفكّرون بالنيابة عنه، ويجرّدون من استقلالية يتطلع لها خاصة وأن الأمر يتعلّق بمستقبله هو لا بمستقبل أهله..
في خطوة لاحقة
انتزعنا من (الروزنامة) آخر ورقة من أوراق عام 2018 الراحل، إذاً تحوّل الوقت إلى صنبور (ينقّط) ونحن الذين لا نريد أن تهرب منه أي لحظة.. زادت زيارات المدرسين، حتى لتراهم وخاصة في الأحياء الشعبية التي يعرف الأهالي فيها بعضهم البعض، (لترى المدرسين) كدوريات راجلة من بيت إلى آخر متأبطين مواعيدهم وأوراقهم وربما آلة حاسبة ليطمئن كلّ منهم على غلّته اليومية في آخر النهار، ومع اقتراب موعد الامتحانات تزيد أجرة الساعة وقد تتضاعف إلا من وقّع عقداً طويل الأمد مع أهل الطالب، أما الساعة في الـ24 ساعة الأخيرة قبل المادة فحدّث ولا حرج..
حبل التوصيات
حبل التوصيات يمتدّ من اللحظة التي ينهض فيها الطالب في بيته للتوجّه إلى الامتحانات إلى باب قاعة الامتحان، قل: بسم الله، اقرأ الفاتحة، لا تستعجل، خذ وقتك، راجع ورقة إجابتك، هل أخذت بطاقتك، هل نسيت أقلامك، ركّز، .. إلخ.
في القاعة التعليمات المكررة، الزيارات والجولات الرسمية، التهديدات، محاولات النقل، محاولات مساعدة بعض الطلاب على حساب آخرين.. إلخ.
سنفترض جدلاً أن الطالب تجاوز كلّ هذه الضغوط، وأنجز مهمته الامتحانية بنجاح، سلّم ورقته وخرج مبتسماً لأنه أبلى بلاء حسناً، وعليه أن يعود إلى بيته مسرعاً ليجهّز ويراجع المادة التالية لكن (طريقك مسدود مسدود).. المئات وربما أكثر، يتحلّقون حول من تجرّأ وخرج قبل غيره: كيف كانت الأسئلة، كيف كانت المراقبة، ماذا جاءكم، الأسئلة طويلة أم قصيرة.. إلخ.
تغلغلنا بين المنتظرين، وانتقلنا من مجموعة إلى أخرى، ولك أن تسمع من القصص ما يدفعك أو يغريك بكتابة أفلام للسينما.. الله لا يوفق مندوب الوزارة، فهو متشدد، اليس لديه اولاد، ماذا يضرّه لو تساهل المراقبون قليلاً مع الطلاب.. دفعنا الكثير على أولادنا، والمراقبون لا يسمحون لهم بالنقل، صارت البكالوريا مكلفة..
عناوين جديرة بالدراسة من قبل القائمين على العملية التربوية في وزارة التربية، وهذه التفاصيل ليست وليدة الخيال بل هي حقيقة مؤلمة قائمة بين ركيزتين أساسيتين في تفكيرنا وفي اضطرارنا للتفكير وهما: تخلّي المدرسة عن جزء من دورها وارتفاع معدلات القبول في الجامعي، ما جعل أيّاً منّا يفكّر بهذه الطريقة أو بأي وسيلة توصل ابنه أو ابنته إلى علامة تقترب من العلامة التامة لتكون خياراته مقبولة وكما يشتهون!

والمطلوب؟
لسنا أخصائيي تربية وتعليم، ولكن ربما نكون أكثر قرباً لوجع الكثيرين، هذا الوجع الذي يفضحه الترحّم على أيام زمان، أيام كانت المدرسة هي المسؤولة عن كلّ شيء، وأيام كاد المعلم أن يكون رسولاً!
السؤال: هل بإمكان المدرسة أن تعود كما كانت ويعود المعلّم شمعة تحترق من أجل طلابه؟
لا يمكن الإجابة على أحد السؤالين بمعزل عن الآخر، فالركن الأساسي في المدرسة هو المعلّم، وبذات الوقت (وإذا ما تفاءلنا بعض الشيء) فإن إدارة هذا المعلّم قادرة على إلزامه بالعام الدراسي كاملاً وبإنهاء المنهاج وأن يحضر المراقبون التربويون ويتأكدوا من جودة الخدمة التعليمية وغير ذلك، لكن هذا لا يحصل، وقد لا يحصل لأن (معلماً) استطعم طعم الآلاف لن يكتفي براتبه خاصة وأن (شماعة الظروف الحالية) ما زال قادراً على حمل أي خلل أو تبريرات…
إحدى اللواتي استوقفناهن أمام مركز امتحان بديع زيني في اللاذقية قالت حرفياً: كلفتني ابنتي (1.5) مليون ليرة من بداية العام الدراسي وحتى الآن، وأكدت أن زوجها اضطر لبيع السيارة من أجل أن يؤمن لابنته المدرّسين الخصوصيين!
سيّدة أخرى قالت: دفعنا الكثير، ولم توفق ابنتي لا في الفيزياء ولا في العربي مع أنّها أخذت دروساً خصوصية، وهذا يعني أننا سندفع من جديد..
فقط، وفي إشارة سريعة، فالمدرّس الذي يعطي دروساً خصوصية وبأجور عالية ليس مسؤولاً عن النتيجة التي سيرميها على (رقبة الطالب) المستهتر أو غير المركّز، ولا يوجد شرط جزائي بين الطالب والمدرّس، بل غن لم تكن الضيافة جيدة أثناء إعطاء الدروس (يحكي عليهم) في منازل أخرى!
على خطّ الجامعة
نتمنى التوفيق للجميع، وأن يحصل كل طالب على مقعده الجامعي الذي يتمناه ويستحقه، ولكن أيضاً تجب إعادة النظر في علامات القبول الجامعي بشكل يخفف الضغط عن الأهالي ويقلل من فرص المتاجرة بخوف الأهالي ورغبات الطلاب، والمسألة بحاجة إلى مراجعة من قبل كافة الجهات ذات العلاقة، ويكفي أن يرى القائمون على العملية التربوية منظر مرافقة الأهالي لبنائهم إلى الامتحانات وجلوس قسم كبير منهم ثلاث ساعات أمام المركز الامتحاني ليعرفوا حجم الضغوط التي يتعرضون لها وبالتالي ضرورة التحرّك الجاد للتخلّص منها، وأن تأتي الحلول جذرية ودون إبطاء.

غـانـم مـحـمـد

تصفح المزيد..
آخر الأخبار