أدب أطفال الأزمة… الكاتبة أريج بوادقجي: ضرورة إنتاج نص نابع من هوية المجتمع السوري ويتبنى قضاياه الوطنية
الوحدة 30-12-2023
في عدد خاص عن أدب الحرب تم نشره بمجلة الموقف الأدبي الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب، قدمت الكاتبة أريج بوادقجي دراسة رائعة وشاملة حول أدب أطفال الأزمة… تحوّل وانعطافٌ نحو الفكر النظيف.
بداية أكدت الكاتبة بوادقجي على أن للقصّة الإبداعيّة الموجّهة للطفل دورٌ في إلهامِه، وبنائِه، وترميمِه، وتنميتِه فكرياً ولغوياً واجتماعياً، وبالتالي تنميته إنسانياً. وانتقلت بعدها للحديث عن كيفيّة التأثير بطفلِ اليوم معرفياً وقيميّاً وجمالياً، لبناء إنسانِ المستقبل!وأشارت إلى أن هذا لا يمكن إلا من خلال العودة إلى الواقع قليلاً، فطفلُ اليوم يأبى القيود وينفُرُ من التسلّط والوعظ، يملِك خيالاً واسِعاً، كثيرُ التساؤل، قليلُ الصبرِ، يلفتُه كلّ جديد، يتوق للتفاعل، فهو يعيشُ في غربةٍ ناتجةٍ عن انشغال ذويه عنه إما في تأمين احتياجات الحياة أو في مغرياتِها.
وأسقطت الكاتبة محاور دراستها على الواقع الذي يحيط بالطفل السوري ومدى انعكاس مجرياته وأحداثه عليه من كافة النواحي والجوانب المادية والمعنوية، قائلة: وإن فكّرنا بالطفل السوري على وجه الخصوص، فهو طفلٌ ولِد وعاشَ وترعرع على بساطِ الأزمات، لذا، هل سينفعُ مع هذا الطفل الوعظ والتنظير، هل ينفع أن تشده إليك قسراً من خلال أفكارٍ أكلَ الدّهر عليها وشرب… وهو غارقٌ في عالمِ التكنولوجيا… هل ينفعُ، وبعد تعرّضه لمختلفِ الظروف، أن تُدخِلَ في رأسِه أن مشاكلَ الحياة، ستحلّ وبلحظةٍ، وسيتولّى إنجاز هذه المهمة الصعبة ماردٌ سحريّ! ربّما هذا التناقضُ بعينِه… ونوهت الكاتبة لفكرةٍ لطالما شكّلت التباساً عند البعض، فليس كل كاتبٍ قادر على الكتابة للأطفال، أضف إلى ذلك، عالمُ أدبِ الأطفال ليس غرفةً مُلحقةً لاستقبال كل شخصٍ لم يستطع أن يجد لنفسِه مكاناً في عالم أدب الكبار… إنما على العكس، فكاتبُ الأطفال يحتاجُ لملكاتٍ إضافيّة تؤهله للوصولِ إلى عالمِ الأطفال والتأثيرِ بهم بمحبّة.
واستندت الكاتبة في رأيها هذا على أن: هذه الشريحة (الأطفال) لا تحتمل السرد الطويل، ولا تحتمل الإطناب والشطط، بل تحتاج إلى كاتب بارع مثقّف قادر على التكثيف، ويمتلك قدرة الساحر المدهش في اختلاق الأفكار الإبداعية الهادفة… ليس هذا فحسب، فكاتِبُ الأطفال لابُدّ أن يمتلكَ فكراً استراتيجياً، يفكّر للمستقبلِ، ويسعى إليه، بأفكارِه وكلماتِه وقيمه ولغته وحضورِه وتمسّكه بهويّته، لبناءِ إنسان المستقبل الذي تستحقّه هذه الأرض الطيّبة بعد سنوات.
ورأت الكاتبة أن المهام التي تقع على عاتق من يتوجه بنتاجه لهؤلاء الأطفال كبيرة، حيث قالت: ونحن ككتاب أطفال ومهتمين بالشأن الطفلي نجد أن مسؤوليتنا اليوم أصبحت مضاعفة، ولابد من إطلاق يد الفكر النظيف لبناء إنسان المستقبل، مؤكدين على فكرة، ألا وهي “القصّة الموجهة للطفل” جنس أدبي بحدّ ذاته، له خصائصه وشروطُه ومقوّماته وأهدافه. وهو الأدب الهادف ذو الجدوى. وعددت الكاتبة بوادقجي الأهداف المرجوة من هذا النوع الهام من الأدب ليكون فعالاً ومؤثراً في حياة الأطفال بمختلف جوانبها، وهذه الأهداف تتمثل بالتالي:
– لعل أوّل أهدافه عودةُ أطفالنا إلى الكتاب بشغفٍ، وهذا الهدف يحتاجُ إلى نصّ ذو فكرةٍ قريبةٍ من عالمِ الطفل، تُلامس يومياتِه، يتعاطَفُ ويتفاعل معها، لا بل ويشعرُ نفسَه شريكاً بالحدثِ والحوارِ والحل.
– الهدف الثاني تمكين الطفل من أدواتِ لغته العربيّة وتمسّكه بها، فهي جزءٌ من هويّته تعبّر عنه ببساطة، وقادرٌ على التفاعل معها، وهذا الأمر يحتاج إلى نصّ ذي بناءٍ لغويّ متماسكٍ وبسيط، يلعبُ بالكلمات برشاقةٍ ودهشةٍ، بعيداً عن كتابةِ الإنشاء، وقريباً من إنشاء الفكرِ واللغةِ والإنسان.
– الهدف الثالث بناء طفلٍ إيجابيّ يتوق إلى المعرفة، يمتلك مهارات التواصل والحوار، وربما حلّ النزاعات، مبدع، حسّاس، متمكّنٍ من مهارات الحياة، ليكونَ في المستقبل إنساناً فاعلاً ومتوازناً ومبادراً، ولعلّ هذه المفاهيم لابدّ وأن تكون مكوناً أساسياً من شخصيّة الكاتب، تظهر وبشكلٍ شفيفٍ غير مباشر، في أفكارِه وحواراتِه، وطريقة معالجته وفكّه لعقدِ قصّته.
– الهدف الرابع يتجلّى في ضرورةِ إنتاج نصّ ناتج ونابعٍ من هويّة المجتمع السوري، يُظهر تراثَه، ويبلورُ معالمَه، ويتبنى قضاياه الوطنيّة، بسلاسةٍ وطبيعيّة بعيداً عن الشعاراتِ والمصطلحاتِ الجاهزة.
فدوى مقوص