ما بين القصص ومخيلة الطفل .. دنيا من التناسق والجمال والألوان لا تقبل التزييف أو اللعب بمكوناتها وأحاسيسها

العدد:9281

الاربعاء 30 – 1 -2019

 

ما بين الكتاب ومخيلة الأطفال عالم رحب من الإدراك والتصور والخيال .. دنيا واسعة من الأحلام والآمال تُصاغ وفق مقاييسهم وأنظمتهم الخاصة .. دنيا لا تحدها قوانين ولا معايير تلتزم بالموجودات والماديات في الواقع الذي يحيط بهم .. فمنذ صغرهم نبدأ نحن بالقراءة لهم فنفتح لهم عالماً لا متناهياً من الخيال والأحلام ونحفّز لديهم حسّ الفضول للمعرفة والتعلم، ثم يكبرون فيمسكون الكتاب، ويقلبون صفحاته بأناملهم الصغيرة تلك، فتأخذهم الصور والرسومات إلى عالم جديد. فتصبح حياتهم حديقة غنّاء يطيب لهم السفر من خلالها إلى عالمهم القصصي الذي يجوب بآفاقه مشاعر الطفولة وأحاسيسها ويترجمها عبر مواقف وانفعالات تُختزل في سلوكهم وميولهم . صفحة «واحة الطفولة» ترصد عبر هذه السطور آراء مجموعة من الأطفال حول قصةٍ من مطالعاتهم أو من استماعهم كان لها الأثر الكبير في نفوسهم وأهميتها من حيث إثراء الذائقة الفنية والجمالية لديهم وكذلك دورها في إغناء مخزونهم المعرفي والتعليمي في الحياة.

الصديقة نايا الياس – الصف السادس قالت: في العطلة الصيفية قرأت قصة بعنوان «الأصدقاء المزيفون» تدور أحداثها في إحدى الغابات الجميلة حيث يسكن أرنب صغير يمتلك الكثير من الأصدقاء وهو فخور بعددهم الكبير من حوله، وفي أحد الأيام خلال تجواله سمع صوت كلاب الصيد تنبح من بعيد .. فشعر الأرنب بالذعر الشديد وأول ما تبادر لذهنه هو الذهاب لأحد الأصدقاء وطلب العون منه، في البداية ذهب إلى الغزال وطلب منه أن يحميه من الكلاب بقرونه الصلبة والكبيرة، ولكنه اعتذر منه وقال له: إنَّه مشغول ويجدر به الذهاب إلى الدب. وبالفعل أسرع الأرنب إلى الدب وأخبره عن الكلاب التي تلاحقه وطلب منه الحماية لكونه قوي، ولكنه اعتذر وتذرع بالجوع وطلب منه الذهاب إلى القرد، وبالفعل ذهب الأرنب إلى القرد وسمع منه نفس الرد ثم ذهب إلى الفيل والماعز وغيرهم من الحيوانات، إلا أنه في كل مرة كان يسمع الجواب نفسه . وفي النهاية تأكد الأرنب بأنَّ الأصدقاء لن يقوموا بمساعدته أبداً وعليه الاعتماد على نفسه كي يتخلص من الكلاب التي تلاحقه، لذلك ذهب إلى أحد الشجيرات الصغيرة واختبأ بداخلها دون أي حراك، فمرت الكلاب بالقرب منه دون أن تلاحظ وجوده وذهبت وبدأت بملاحقة حيوانات أخرى في الغابة. بعد هذه الحادثة عزم الأرنب على أن يعتمد على نفسه في كل الأمور .. وقد تعلمت من هذه القصة أن العبرة ليست في كثرة الأصدقاء وعددهم الكبير بل في نوعية الصديق الجيد والمخلص والذي يكون لنا سنداً وعوناً في المواقف التي تصادفنا .

الصديق نادر الليوا – الصف السابع قال: سأتحدث عن قصة تختزل في أحداثها الكثير من العبر والمعاني الجميلة وهي قصة تحمل عنوان «الغنى الحقيقي» وتروي قصة رجل ثري كان يسكن في إحدى المدن الكبيرة وكان دائم التفاخر والتباهي بثرائه أمام الناس وذات مرة أراد الرجل أن يتباهى أمام ولده بثرائه، ولكن الولد لم يظهر أي اهتمام بالثراء والحياة الفارهة، فامتعض الرجل وقرر أن يصطحب ابنه في جولة لكي يريه الفقراء ومعاناتهم. وعندما عادا إلى المنزل سأله: هل استمتعت بالرحلة؟ وهل قدّرت قيمة الثروة التي نمتلكها؟. في بداية الأمر صمت الابن وظن الأب بأنّه أخيراً قدّر قيمة المال الذي يمتلكونه، ولكن سرعان ما بدأ الابن بالحديث وقال لأبيه: نحن نمتلك مسبحاً صغيراً خلف منزلنا وهم يمتلكون بحراً ليس له نهاية، نحن نمتلك منزلاً على أرض صغيرة محددة بالأسوار وهم يمتلكون بيوتاً تحيط بها الأراضي الواسعة على مد البصر، نحن نحتاج للحراس والأسوار العالية كي نحمي أنفسنا وممتلكاتنا وهم متكاتفون فيما بينهم يحمي بعضهم بعضاً، وأخيراً نحن نحتاج لأن نشتري منهم الطعام، وهم يصنعون طعامهم بأنفسهم، يا أبي شكراً لأنك أظهرت لي من هم الأغنياء ومن هم الفقراء حقاً. إنها قصة جميلة تعلمنا تقدير قيمة الثروة الحقيقية في حياتنا وليس قيمة المال والأشياء المادية التي نمتلكها، فالغنى غنى النفس والأخلاق وترفعها عن التفاخر والتباهي بالقشور والمظاهر المزيفة في حياتنا .
الصديقة سارة عثمان – الصف السابع قالت: قصتي تتحدث عن أهمية العمل ودوره في بناء الإنسان وتحقيق غاياته وهي بعنوان «الكنز المدفون» وهي قصة أحرص دوماً على سماعها من والدتي حتى بعد أن كبرت .. بالإضافة إلى احتفاظي بها في مكتبتي الصغيرة في المنزل، تدور أحداثها حول عجوز فارق الحياة بعد أن أوصى أولاده الكسالى بالبحث عن كنز دفنه في الأرض الواسعة التي أورثهم إياها دون أن يحدد مكانه تماماً . فقرر الأبناء بدء الحفر في الأرض للبحث عن الكنز لكن جميع محاولاتهم باءت بالفشل حيث لم يظهر أي أثر له . وبدلاً من ذلك بدأت المياه تخرج من حفرة في أرضهم . فجلس الأخوة بالقرب منها محبطين لعدم تمكنهم من العثور على الكنز، وفي تلك اللحظة مرّ بهم أحد الفلاحين ونصحهم بزرع الأرض التي قاموا بحفرها، وبالفعل استمع الإخوة للنصيحة، ومع مرور الأيام بدأوا بجني المحاصيل وبيعها وكسبوا كثيراً من المال، وفي النهاية أدركوا بأن الكنز الذي أراد والدهم أن يجدوه هو العمل . إنها قصة مفيدة فيها الكثير من الحث والتحفيز على العمل كقيمة من قيم الحياة التي تعود بفائدتها على المجتمع وأفراده بما يضمن لهم الحياة الكريمة.
بقي للقول: لطالما أحب الأطفال القصص الشيّقة سماعاً وقراءة، فكانت على مرّ الأجيال بمثابة مخزونهم اللغوي والفكري والاجتماعي، وكان لهذه القصص بالغ الأثر في حياة أطفالنا، فقد ساهمت – وما زالت – تساهم في بناء شخصياتهم وتهذيب سلوكهم . فالمختصّون في مجالات التربية وعلم نفس الطفل يؤكّدون على أهمية عادة القراءة والاستماع إلى القصص وتأصيلها في برنامج أطفالنا بشكل يومي لأنها تزودهم برصيد لا يستهان به من التجارب في مختلف جوانب الحياة مما يساعدهم على التعامل مع المواقف والصعوبات التي تعترضهم بشكل سليم .

فدوى مقوص

تصفح المزيد..
آخر الأخبار