العدد: 9281
30-1-2019
تشرئبُّ المعاني لتطاول مجد اللغة, تبحث في خبايا الصور عن مجازات تطفئ جمر الغياب فما استطاعت إلى ذلك سبيلاً, فاكتفت باستفسار وسؤال لمَ, وكيف, ماذا, لماذا, وأنَّى..؟ اكتفت بالتعبير عن ضآلة المسافات, وندرة الحياة في عين الحياة.
أيَّة لغة تسطِّر هجرة حبَّات القلوب متوسِّلة عالم الدفء, ووفرة الحياة؟ أية لغة تسطِّر مداد النار وهي تلتهم أكباد أقمار, وأجساد أنهار, وتخفي المشاعر في ثنايا اللهب آناً وتظهرها في آن، تغدو اللغة ترحالاً إلى عالم يقتاتُه الظمأ, وتلوكُ سرابه ألسنةُ اللهب, وقد تمتشق قلماً أخضر ترسم بالصور عالماً أحمر، كم تتمنى اللغة اللحاق بركب النور ذاك, باحثة عن ألوان التوهُّج في عالم يضج بالخراب والموت.
وما زالت اللغة تسأل: كيف نتعالى على الألم؟ كيف نحتفي بالليل ونجومه الآبدة الموصدة وقد شُدَّت بأمراس من كتَّان إلى جبل تنشدُ الأفول والتلاشي؟ أم تراها مفاتيح الأمل؟ كيف يقبض الموت على الجمال في عالم تصرخ أشلاؤُه من وعي حمرة دمائه المترامية على مفارق الإنسانية؟
لقد راودَ الموتُ الجمالَ, واحتفى بعبق أزهار نثرت شذاها على مفارق السبع سموات, وأيّة دائرة أقسى من الليل؟ ذاك الليل الذي أهدر النور حين غرة, وأولَعَ جمر الظلام في عشِّ النوارس, فهلَّلت لقدومهم ملائكة العرش, توزع زغاريدها, وتنثر عبيرها على أطراف الياسمين, فراشات سبع ناداهم البرق فارتدوا أجنحتهم وحلَّقوا إلى غدائر الجنان, وفراشها الناعم الوثير.
هي الحياة مسرح تكثر فيه الشخوص, وتضيق المساحات, تتشابه أحداثها، تتغاير, والرياح العابثة في شراع العمر المسافر هي ذاتها, تقلُّنا حينا إليه وتضنُّ أحياناً عليه, وترسم بعين راضية, دائرة من نور، ودوائر من نار، تدور وتظل تدور.
د. غيثاء قادرة