الوحدة- ريم جبيلي
هناك تواريخ لا تُكتب بالحبر، بل تُحفر في الذاكرة الجماعية كأنها نبضٌ متجدّد، وتاريخ 8 كانون الأول 2024 واحد من تلك الأيام التي تبدو، حتى بعد مرور عام على وقوعها، أشبه بيوم تنفّست فيه البلاد للمرة الأولى منذ زمن بعيد.
لم يكن التحرير مجرّد حدث سياسي أو عنواناً عريضاً في نشرات الأخبار. كان لحظة تحوّل داخلي، لحظة استعادةٍ أكبر من مساحة وأوسع من خارطة. في ذلك اليوم، بدا وكأن السوريين جميعاً يضعون أيديهم على قلب واحد، قلبٍ يعرف معنى البقاء رغم كل ما حاولت السنوات أن تنتزعه منه.. يوم استعاد الناس أصواتهم فيه.
ما ميّز هذا اليوم لم يكن تغيّر المشهد العسكري أو تبدّل خرائط السيطرة فحسب، بل تلك اللحظة التي خرج فيها الناس إلى الشوارع بوجوه جديدة.
كان الصوت البشري أقوى من أي بيان.
كان الفرح، بكل بشاشته، أكثر صراحة من أي خطاب.
لقد بدت البلاد وكأنها تستعيد شيئاً من ذاتها… شيئاً كان مهدداً بأن يُنسى.. ليكون التحرير بداية اللا نهاية.
إنّ التحرير الحقيقي لم يكن تلك الساعات التي تغيّر فيها الواقع الميداني، بل ما تلاها في الساحات التي عادت تنبض، وفي البيوت التي امتلأت مجدداً بصوت الحياة اليومية، حيث كان السوريون، بطريقتهم الهادئة أو الصاخبة، يقولون إنّ البلاد ليست مجرد جغرافيا، بل إمكانيةً مستمرةً للنّجاة.
إنها ذاكرة ينبغي الاحتفاظ بها طويلاً، ففي ذكرى 8 كانون الأول، قد يختلف الناس في طريقة قراءتها، لكن ما لا يختلف عليه اثنان أنّ ذاك اليوم حمل شعوراً جمعياً نادراً.. بأن الغد ليس بعيداً كما اعتقد البعض، وأن الباب الذي أُغلق سنوات طويلة يمكن أن يُفتح من جديد.
لقد أعاد ذلك اليوم طرح السؤال الأهم: كيف يمكن لبلدٍ مُرهَق أن ينهض ويولد من جديد؟ وكان جواب الشارع السوري واضحاً: ينهض حين يؤمن أبناؤه بأنّ المستقبل ممكن.. ممكن بإرادتهم وعزيمتهم وقوّتهم التي لا تلين.
في ذكرى التحرير الأولى تُرفع التحية ليس للحدث نفسه فقط، بل لكل من حمل شمعة في ظلام دامس طويل، لكلّ من آمن بأن البلاد تستحق، ولكل من واصل، رغم كل شيء، رسم معنىً جديد للعيش، وربما لهذا، يبقى 8/12/2024 يوماً لا يُحتفل به على أنه نهاية حقبة، بل لأنه تاريخ يوثّق ميلاد حقبة تنير دروب آتيات الأيام.. يومٌ يذكّر السوريين بأن تاريخهم ليس سلسلة انكسارات، بل سلسلة نهوضات… وأنهم، مهما طال الطريق، شعب يعرف كيف ينهض من جديد.