الوحدة_بتول حبيب
من مظاهرة سلمية في درعا إلى قيادة أكبر تنظيم طلابي سوري مستقل، يواصل عبدالله الزعبي الدفاع عن الطلاب السوريين وصون حلمهم بالتعليم، مستعداً اليوم للمساهمة في بناء سوريا الجديدة، وإثراء منظومة التعليم بخبراته. في صباح الثالث والعشرين من آذار 2011 خرج عبدالله الزعبي إلى شوارع درعا كمتظاهر يحمل أحلاماً بسيطة دون أن يدرك أن هذا اليوم سيعيد رسم حياته إلى الأبد. كان المكان يختلط فيه صدى الصرخات بالدخان والرصاص، والهواء مشحون بالخوف والتحدي معاً. يقول عبدالله: “في تلك اللحظة، لم أعد مجرد طالب جامعي، بل كنت جزءاً من صرخة آلاف السوريين الذين رفضوا الخوف”. ذلك اليوم، حين اخترق الرصاص أجساد المتظاهرين، وسقط قتلى وجرحى، كان شقيقه بين المصابين، ناجياً بأعجوبة. كانت تلك البداية لسفر لم يحط رحاله حتى اليوم، رحلة دفع فيها الثمن غالياً سنوات من حياته، دراسته، أمانه، وبلاده التي اضطر لمغادرتها.
مع اتساع رقعة الاحتجاجات انضم الزعبي إلى لجان التنسيق المحلية، حيث وثّق الأحداث، ونقل الحقيقة من قلب الميدان والجامعات السورية. بعد عدة أشهر، أدرك مع مجموعة من الطلبة الثائرين الحاجة إلى منصة مستقلة تعبّر عن طلاب الثورة، فكان ميلاد اتحاد طلبة سوريا الأحرار، كأول منظمة مؤسساتية مدنية ولدت من رحم الثورة السورية، تتبنى هيكلاً تنظيمياً ونظاماً داخلياً خاصاً بها، حيث قال الزعبي: ”كل أنشطة الاتحاد منذ تأسيسه كانت تطوعيةً بالكامل، يعتمد على جهود وإصرار الطلبة السوريين داخل البلاد وخارجها، دون أي دعم مالي ثابت، مما جعل كل نجاح نحققه ثمرة للتفاني والإيمان بحق كل طالب في التعليم، وتجسيداً لروح التضامن والشجاعة”. الاتحاد لم يكن مجرد تنظيم، بل كان ملاذاً للطلاب المقهورين، صوتاً لمن يُسلب منهم الحق بالتعلم، ومجتمعاً بديلاً عن النظام الأمني القمعي داخل الجامعات السورية. توسع الاتحاد ليشمل أكثر من 35 فرعاً داخل سوريا وخارجها، وأصدر أول مجلة طلابية باسم الثورة: “طلاب الحرية”، ليكون صوت الشباب السوري الحر.
مع توسع نشاط الاتحاد، تم تشكيل فرق طلابية في معظم الجامعات السورية تعمل تحت إشراف الاتحاد، وقد نفّذت نشاطات متعددة خلال سنوات الثورة السورية ومنذ سقوط النظام وحتى اليوم، شملت التوعية الطلابية دعم الطلبة المتضررين، وتنظيم الفعاليات الأكاديمية والاجتماعية، ماجعل الاتحاد حاضراً وفاعلاً داخل المؤسسات التعليمية السورية رغم الظروف الصعبة، ومع تصاعد الانتهاكات، تحول الاتحاد من منصة توعية إلى شبكة حماية للطلاب، مقدماً منحاً تعليمية وتسهيلات في تركيا، اليمن، الأردن، قبرص، السعودية، السودان، مصر والعديد من الدول الأخرى، لتستمر الرحلة رغم كل العوائق، وعلى مدار مسيرته، استطاع الاتحاد توفير أكثر من 10,000 منحة دراسية للطلاب السوريين في الخارج، خطوة لم تتمكن كثير من المنظمات المحلية السورية والدولية من تحقيق هذا الإنجاز رغم تحديات التمويل والقيود اللوجستية، ما يعكس التزام الاتحاد العميق والتفاني الكبير بحق التعليم وحماية حلم كل طالب سوري، وقد حظي الاتحاد باعتراف رسمي من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، ومن منظمات ومؤسسات مدنية محلية، بالإضافة إلى جامعات ومؤسسات تعليمية عربية ودولية، كما تم تسجيله رسمياً في فرنسا، السودان، قبرص والعديد من الدول الأخرى، وتم الاعتراف به كممثل شرعي للطلبة السوريين. علاقاته مع اتحادات طلابية في مصر، الكويت والبرازيل واتحادات طلابية أخرى أكسبته ثقلاً ومصداقية على الساحة الطلابية الدولية. يقول الزعبي:”هذه الاعترافات لم تكن مجرد أوراق، بل شهادة على أننا كنا نحرك الاتحاد لأجل كل طالب سوري رفض أن يُسلب حقه في التعليم”.
ظل عبدالله تحت تهديد دائم، حتى اضطر لمغادرة سوريا في يناير 2013 بعد اعتقال أفراد من عائلته. في الأردن، واصل دعم الطلاب السوريين مع مجموعة من أعضاء الاتحاد المتواجدين هناك، موثقين الطلاب المنقطعين عن الدراسة في المخيمات وخارجها، ومؤمنين لهم فرصاً تعليمية بالتواصل والتنسيق مع المؤسسات التعليمية المختلفة والجهات المانحة، ومع تصاعد التهديدات، اضطر للوصول إلى السعودية في يناير 2014، حيث بدأ فصلاً جديداً من حياته، وفي السعودية، ساهم الاتحاد بقيادة الزعبي في إطلاق برنامج خادم الحرمين الشريفين لمساعدة الطلبة السوريين الذي وفر أكثر من 6000 منحة جامعية للطلبة السوريين الزائرين والمقيمين في المملكة، ما أتاح للزعبي العودة إلى مقاعد الدراسة واستكمال تعليمه.
في عام 2016، انتُخب رئيساً لاتحاد طلبة سوريا الأحرار الذي أصبح يُعرف لاحقاً بالاتحاد العام لطلبة سوريا، استجابة للظروف الأمنية والسياسية.
&رغم كل هذه الجهود والاعترافات، لم تحظَ خبرات الاتحاد ومجهود أعضائه دائماً بالاهتمام الكامل من الجهات الحكومية بعد سقوط النظام، رغم الاتصالات واللقاءات الرسمية المستمرة مع الجهات المعنية.
يقول الزعبي: “لقد عملنا سنوات طويلة على تنظيم الحراك الطلابي، توثيق الانتهاكات، وتقديم الدعم التعليمي للطلاب داخل سوريا وخارجها. اكتسب أعضاء الاتحاد خبرات قيّمة من خلال تعاملهم مع أنظمة تعليمية متطورة في جامعات ومراكز تعليمية حول العالم، ما منحهم معرفة واسعة بأساليب الإدارة الطلابية، تنظيم البرامج الأكاديمية، وابتكار الحلول التعليمية”.
ويضيف: “اليوم، ومع كل ما تعلمناه وقدمناه، نحن على أتم الاستعداد للانخراط والمساهمة في خدمة الطلاب السوريين والمؤسسات التعليمية لبناء نظام تعليمي قوي ومستقل يكون رافداً أساسياً لإعادة إعمار سوريا الجديدة، وضمان مستقبل أكاديمي أفضل للأجيال القادمة”، ويشير إلى أن ”مستقبل التعليم في سوريا لا يبدأ من الصفر، بل يُبنى على خبرات جيل الثورة تنظيمهم، تفاوضهم، علاقاتهم الدولية، وابتكاراتهم التعليمية. هذا الرصيد المعرفي هو الأساس الذي يمكن استثماره لضمان حق كل طالب في التعلم والمساهمة في بناء مجتمع تعليمي قوي ومتماسك”.;


