في السياسة والاقتصاد معاً، تكتسب زيارة وزير الخارجية السوري، أسعد حسن الشيباني، إلى روسيا اليوم أهمية مضاعفة. الدبلوماسية السورية تعيد صياغة العلاقة مع موسكو من البوابة الاقتصادية، وفي ظل الظروف الراهنة، من خلال فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، انطلاقاً من أولوية السيادة الوطنية والعدالة، وعلى قاعدة المصالح المشتركة، وبعيداً عن تحالفات سقطت بسقوط النظام البائد.
الاجتماع في موسكو حدّد المسار الجديد للعلاقة السورية الروسية، ومن خلال تصريحات الوزيرين، الشيباني ولافروف، خلال المؤتمر الصحفي المشترك، يتّضح أن تنمية التعاون بين البلدين تسير وفق معطيات جديدة، وفي مختلف المجالات، وعلى رأسها التجارة والاقتصاد.
التركيز على الجانب الاقتصادي بات أولوية واضحة، وتطبيق سياسة تفاعلية أساسها المصلحة الوطنية في التعامل مع الروس، بعيداً عن الاصطفافات والمحاور، مع الأخذ بعين الاعتبار حجم التبادل التجاري والعقود الموقعة سابقاً. وقد تم الاتفاق على تسريع الخطوات في هذا الاتجاه، وإعادة النظر في كافة الاتفاقيات الاقتصادية، بما يحقق مصالح الطرفين والمنفعة المشتركة.
كما تم التأكيد على أهمية مشاركة روسيا في عملية التعافي وإعادة الإعمار، والمساهمة في رفع كافة العقوبات المفروضة على الشعب السوري.
الجميع يدرك دور روسيا وحجمها كدولة عظمى على الساحة الدولية، وثقلها الجيوسياسي والاقتصادي، وهو أمر أكّده الوزير الشيباني بقوله: “سوريا في مرحلة إعادة الإعمار تحتاج إلى الجميع، بما في ذلك الأصدقاء والشركاء، والماضي نأخذ منه العبر والدروس لننطلق إلى المستقبل بخطى ثابتة”.
ومن قلب موسكو، شدّد الشيباني على أن سوريا تفتح أبوابها للعالم رغم جراح المرحلة السابقة، وأن الشراكة الصادقة تتطلب الانطلاق من دروس الماضي لصياغة علاقة الحاضر.
وأشار إلى أن عملية إعادة تقييم الاتفاقيات السابقة قد بدأت فعلاً، من خلال تشكيل لجنتين وزاريتين للنظر في جميع الاتفاقيات الموقعة مع النظام البائد، بما يصب في مصلحة الشعب السوري، وبناء علاقات جديدة على أساس التعاون والاحترام المتبادل، واحترام سيادة سوريا، والانفتاح من الجانب الروسي، مؤكداً أن هذه العلاقة ستكون في “مصب ممتاز وخيار استراتيجي متميز خلال القريب العاجل”.
من جهته، أكد الوزير لافروف أن سوريا “صديق جيد عالمياً وإقليمياً”، وأن التعاون معها يسير في اتجاه تعزيز الروابط، والمنفعة المتبادلة، والاحترام، مشيراً إلى عمق العلاقات التاريخية بين البلدين منذ زمن الاتحاد السوفييتي، حيث ساهم الخبراء الروس في بناء ورفد الاقتصاد السوري، كما حصل عشرات الآلاف من السوريين على تعليم عالٍ في روسيا.
روسيا، بما تمتلكه من موارد في مجالات النفط والغاز والقمح، تُعد شريكاً مهماً لسوريا في المستقبل، خصوصاً في ظل حجم الديون المستحقة لها على النظام السابق. ومع انتهاء مرحلة بشار الأسد، ودخول سوريا مرحلة سياسية جديدة، فإن الدور الروسي يأخذ منحى مختلفاً، يتكامل مع توجهات الحكومة السورية الجديدة، التي تضع إعادة بناء سوريا في صدارة أولوياتها.
وأكد وزير الخارجية الروسي في ختام اللقاء: “نحن مستعدون لتقديم الدعم الممكن من أجل التعافي الاقتصادي السوري”، وهو ما تم الاتفاق عليه اليوم، والتأكيد على الاستمرار فيه.