الوحدة: ١٣-١٠-٢٠٢٣
الكثير من الأدباء العرب أحبّوا سورية وبعضهم شغفه الهيام بها فاتخذوها مسكناً وموطناً، حيث وجدوا فيها المكان المفضل للحياة والأمان والكتابة، وعاشوا فترات غير قصيرة من أعمارهم على ترابها وبين أهلها.
من القامات الشعرية العربية التي عشقت دمشق وأقامت فيها روحاً من الزمن
الشاعر العراقي سعدي يوسف الذي احتضنته وبادلته الحب والوفاء وجعلته يشعر بأنه طائر يغرد ويتنقل كيفما يشاء ويريد وتركت أثراً في أدبه، قدم إليها في ثمانينات القرن الماضي ووجد فيها كل حفاوة وتكريم، وقد خصصت له صحيفة الثورة زاوية أسبوعية في الصفحة الأخيرة طيلة إقامته في سورية.
سعدي يوسف صرح شعري عربي ترك العراق وانطلق إلى آفاق الحرية يقتات على خبز الغربة المر، طاف بين البلدان العربية والأجنبية متجاوزاً حدود الدول والقارات، مهاجر لا يستقر في بلد إلا ليتجه إلى آخر وخاصة أوربا ودولها حاملاً كتبه ووطنه، وجاء إبداعه نتاج ثقافات متعددة بتعدد الأماكن التي استوطن بها،
سعدي يوسف يعتبر أن الاختلاط بالناس يثري الأدب ويعني المزيد من نسغ الحياة وحبر الديمومة، يتمسك بالمكان ويعتبر عاملاً فنياً وليس ديكوراً (المكان عنصر مثل اللغة، مثل الصورة، إنه مكون أساسي وليس هامشاً، وعنصر جمالي مهم) ويعتبر الحواس بوابات المعرفة آمن بترويضها لتكون أكثر إرهافاً وكتب منطلقاً منها: (أمشي في الغابة منتبهاً إلى أفواق الزهر, وتدرج الخضرة في الورق, أرهف السمع إلى الطير بين الشجر, ألمس الورق التخين واستمتع بشميم الصنوبر بعد المطر ).
عاش سعدي يوسف في مدن عربية وأجنبية كثيرة (دمشق – بيروت – تونس – الجزائر – طنجة – باريس – لندن – مدريد – بروكسل)، وقد جذبته دمشق بسحرها وعطر غوطتها وشموخ قاسيونها وبثها قصائد مشحونة بالعواطف المواقف والعواصف، وفي العام 2013 أصدر ديوانه الشعري (طيران الحدأة) الذي كتب نصوصه في مغتربه من وحي التنقل بين عواصم الشرق والغرب، وفي قصيدة (فتوة) يذّكر الشباب العربي بواجبهم نحو دمشق للدفاع عنها.
حفرنا بأظافرنا السود خنادق حول دمشق
بساتين الغوطة كانت بكثافة أدغال الأمازون ومن أعلى جبل الشيخ يسيل الماء زلالاً بين أصابع مفعمة بتراب الأرض
اشتهر الشاعر بجرأته في طرح وإجهار مواقفه، سعدي يوسف صاحب سيرة ملونة بالألم والسجن ارتسمت معالمها في حياته وشعره، لم يخف تشاؤمه وأنين روحه من الأمراض والآفات المزمنة في الواقع العربي الراهن، وعكست أشعاره الجوانب المظلمة من حياة أمتنا والمظاهر السلبية في وطننا، والعراق الذي نأى عنه ظل يعيش داخله ويحلم به، يحلل واقعه ومناخه السياسي ويغوص في أعماق ناسه يكتبه حنيناً وشوقاً كما يشتهيه عراقاً حراً لكل أبنائه , وقد تعرض سعدي يوسف للنشل والسرقة والسلب في العاصمة البلجيكية بروكسل على يد أشقياء مغاربة عرب بينما كان عائداً مع صديقته من مركز ثقافي وانتزعوا من رقبته سلسالاً ذهبياً فيه خارطة للعراق.
نعمان إبراهيم حميشة
تصفح المزيد..