من رحـــــــاب مشــــــــفى تشــــــــــرين

العدد: 9345

13-5-2019

(ماحدا مرتاح) جملة تختصر مسافات الوجع بين الناس، (وكلنا على هذا الطريق) هي الأخرى تلامس قدراً حتميّاً مشتركاً، لكل كائن حي، هي إرادة سماوية ساوت بين البشر في هذه النقطة بالذات، تزور المشفى، لزيارة مريض قريب أو صديق، تجد في الزيارة محطة واسعة لملامسة جراح المرضى وجراح مرافقيهم، المرضى أيضاً لهم همومهم ومشاريعهم التي توقفت إلى حين، أو ربما ستتوقف، أيضاً يبقى لهم فرحهم الصغير وابتساماتهم المغمسة بوجع الجسد أو بوجع الروح تتكاثر الأمراض، مئات المرضى يتوافدون على مشفى تشرين والمشافي الأخرى، أقسام الإسعاف تضجّ بالحالات، امرأة تصل على آخر نفس، كل من حولها يبكي، أكثر من 8 أطباء حولها، كل ٌيأخذ دورَه لإعادتها للحياة، شابٌ صغير أشبه بهيكل عظمي، وما يظهره بأنه مازال حيّاً، عينان جاحظتان وصدرٌ بالكاد يصعد ويهبط ببطء.. سبعينية أطرافها ماتت، والورم يأكل ما تبقى من دماغها، والأنين يرافق سحابة نهارها وليلها الطويل.. رجل من حلب الشهباء، تحدثه ويحدثك عن شطارة الحلبيين في التجارة، وفي كل شيء يشير بفخر إلى ابنه، ابن الـ 11 ربيعاً وهو الذي بات يقوم بتفصيل غرف نوم بمفرده، ومثله باقي أولاده الثمانية، وكل واحد منهم في مهنة، والحال ماشي، وعال العال، لكن كبدَه، يحاصره ذلك الخبيث الخبيث.. وتبقى الأعمار بيد الله.. ومريض آخر يجاوره، يشير إلى أن كل من يسكن في مدينة على البحر، هو من الخاملين، والكل همهم المقاهي والأراكيل، وآخر همهم الحركة التي فيها البركة، وهذا شاهده عندنا وفي اليونان وقبرص وفي مدن بحرية كثيرة.. والشاهد على ذلك مئات المقاهي النهارية والليلية المكتظة بالصغار والكبار .. أبو زياد هيبته تشير إلى شخصيته، حين كان في موقع المسؤولية، الجلطة الدماغية أخذت من جسده ولسانه وذاكرته.. إنه المرض الذي لا يرحم، وحين يداهم فريسته يجعلها (تنحني)، يخضعها لمشيئته، يكسر عنفوانَ بني آدم وجبروته، ومرات كثيرة الفرعون الذي بداخله، وأحياناً يذله ويهينه.. أبو محمد منذ 5 سنوات وهو يتابع زوجته التي داهمتها عدة جلطات دماغية، مما أفقدها الحركة، يترك عمله في صناعة الفطائر ليهتم بزوجته، ولا يعمل في الشهر 5 أيام والحال بالويل.. نعم المرض عدا عن أنه مزعج ومؤلم، إلا أنه يمتص مدخرات المرضى وأهاليهم، هذا إذا كان هناك بالأصل مدخرات، في هذا الزمن الصعب.. الكل في المشافي الوطنية، وللحقيقة، وبصدق العارف، يشكرون الحكومة على أنها أمنت، (وبالمجان) هذه الصروح العلاجية والصحية العملاقة، مثل مشفى تشرين، ومئات من أمثاله، التي تنتشر في كل مدينة ومنطقة في سورية، ويستذكرون ما يشاهدونه من حالاتٍ كثيرة، على شاشات تلفزيون قطر مجاور، حين يموت الأطفال على أبواب المشافي، إنْ لم يدفعوا، و مُقدّماً، الثمنَ المطلوبَ، وبالدولار.. شفى الله كل مريض، وحمى الله الوطن ويرحم روح القائد المؤسس الخالد حافظ الأسد، الذي أحسّ بوجع الناس، فجعل الصحة والطبابة والتعليم بالمجان، ومنذ أطل وأطلت محبته، أعطى الأرض لمن يعمل بها، وأعاد لكل ذي حق حقه .. ومازالت هذه المحبة تتمدد وتشمل كل مواطن أحس أنّ سورية هي بيتنا الكبير، ولا بديل عنها في الحياة، رغم قسوة الأزمة الملعونة، والحرب الكونية.

جورج إبراهيم شويط

تصفح المزيد..
آخر الأخبار