العدد: 9342
8-5-2019
تجول ذكرياتنا عن رمضان وأيام الخير بأوزان وأرطال كما عربات العرقسوس وأرزاق الناس في شوارع وأحياء، تكسوها المحبة والعطاء ولمة الأهل والجيران، لكن اليوم تنقطع عنا أوصال هذه الذكريات والعادات مع غلاء وغليان غير مبرر لجميع أسعار المواد الغذائية والتموينية، فإن يرتفع الدولار قبل حلول رمضان ترتفع الأسعار وإن يهبط وينخفض فإن الأسعار ما زالت ترتفع، نراها ونتلمسها كل يوم ولا نرى مسؤولاً يغلب نفسه وينزل للسوق لكن نسمع (جعجة) عن ضبط الأسعار ولا نرى غير تجار السوق الذين يكيلون للزبون نهباً وهو من يصب فيه التعتير صباً فكيف لرمضان أن يمر عليه؟
* أبو عامر، يؤكد أنه يعمل ليل نهار ليؤمن لقمة عيش عائلته المؤلفة من ثلاثة أولاد ووالدتهم مريضة وتئن من الأوجاع، قال: رمضان كريم على الجميع، وقد تعودنا في هذه الأيام على ارتفاع أسعار جميع السلع التي ينفذ منها الراتب وعند وقع أي طبخة، وهي تأتي عليه تقتيلاً، لقد كنت عند بائع (الجملة) الذي أقصد دكانه كل أول شهر لأجل التوفير بشراء مونة الشهر بسعر الجملة وقد أشار لي بقوله: خذ كل أغراضك ومستلزماتك فأسعارها في ازدياد غداً أو بعد غد، وقد عملت بنصيحته مع أن راتبي لا يأتي بغير نصف ما يلزم البيت وحاجيات الأولاد، فماذا عن غيرها من لحوم وخضار لأجل موائد وليالي رمضان؟ حيث صحن الفتوش أو السلطة وإن قل وشح بخضاره فهو يلتهم ورقة من فئة الألف، فماذا عن الفروج الذي يطير عنها أو اللحم الذي جف فيها وجافاها، فما كان مني ولأجل شهر رمضان غير أن أسعى جاهداً بعمل آخر غير وظيفتي بعد الدوام في كولبة وبعده في الليل (شوفير تكسي) ولو أني ألحق يومي لكنت بائعاً جوالاً، أود أن أوفر لعائلتي كل ما يلزمهم ولا أرى الشكوى بتقصيري يوماً في عيونهم، الحمد لله أعمل ليلاً ونهاراً والحال مستورة.
* أبو ديب، نشكو لله هؤلاء التجار، ونتضرع إليه أن يلهمنا الصبر، فالأسعار ليست مقبولة منذ مدة فكيف اليوم بحلول رمضان وحاجة موائدنا للتنوع وإشباع العين؟ السوق يعج بالأصناف والألوان لكن ليس بالمقدور جلبها ولا حتى نصف ما نقدره (العين بصيرة واليد قصيرة) مثل اليوم اشتريت بضع أغراض ليس فيها شيء للفطور بكيس صغير نحيل تجاوز ما فيه 5آلاف ليرة، الفقر يحيط بجوانبنا والراتب يؤطر حوائجنا، نتبع التقنين كما مؤسسة الكهرباء التي علمتنا تلك اللغة ولا نكون من المغلوبين، والحمد لله مستورة ولو كانت مأجورة، فنحن نسكن بالإيجار الذي يسحق الراتب، لكن والداي يعيناني على أمري ويبعثان لي (ما في النصيب) حتى أن والدتي تطبخ وترسل لبيتي نصفه، ولولا ذلك لا أعلم ما يصيبني ولا أعرف لعيشي مكاناً.
نتذكر زماناً مضى وحبلى ذاكرتنا به، وفي رمضان توقد جذوة ذكريات رمضان وأحاديث عن تفاصيل درامية شهدناها لأعوام بخباياها المفعمة بالحب والخير..
* السيدة علا، تؤكد أنه يكفي اليوم أن تبعث برسالة من الموبايل إلى الأهل والأقارب والصديقات، تبارك لهم حلول رمضان بالخير والبركات، فليس لها قدرة على دعوة أي منهم على مائدتها، فالراتب محدود ولا حول ولا قوة له على مزيد من الأعباء، كما أنها لا تحب أن تكلف أحداً فالحال واحدة تقول: أذكر رمضان أيام زمان وتدمع عيني لذاك الجمال والفرح، حيث كان الجيران يتشاركون في سكبة صحن نتجول بها على كل الجيران، لنرى على المائدة أطباقاً وأصنافاً، أما اليوم فالجار لا يعرف جاره، والحيطان فصلت بينهم وعلت في الأسطح والبنايات، كما وصلت إلى الأهل، فلم يعد الواحد منا يقصد بيتهم إلا في حال مرض أو موت، عيشتنا شغلتنا وأسباب معيشتنا وارت عنا الكثير من الفرح، صحيح أن الولائم مناسبة للتواصل وترسيخ العلاقات الإنسانية والاجتماعية، لكن ليست لنا مع أن البعض يبحر بالبذخ والإسراف فيها للتباهي بالكرم في وقت يضيق بنا ويطبق الأنفاس، إلا أننا ليس هواة، وعلينا لجم الشهوات وسهراتنا تقتصر على متابعة مسلسلات رمضان وبرامج التلفاز والحديث عن الأسعار والأسواق وناس اليوم.
* أخيراً: الفوضى تعم السوق وتحايل التجار واستغلالهم للقمة عيش العباد الذين انقطعت أوصالهم عن السوق وضعفت قدرتهم الشرائية براتب عاجز مسقوم ، وكانت جميعها قد رمت بثقلها لتغير كثيراً مما كنا نعيشه وكنا عليه وساهمت في تقلص طقوس رمضان، فلا موائد مفتوحة للأقرباء والجيران ولا حتى الأهل، ولا مسحر ولا ناس صائمة، ودلالات غائبة لتكاد أيام رمضان تشبه باقي أيام أشهر العام، ويمر مرور… الكرام.
هـدى سلوم