برد وحطب و٥٠ لتر مازوت محروقة سلفاً

الوحدة: 15- 11- 2022

بدأ الشتاء يدقّ نواقيس البرد والحرارة المنخفضة، وبالّلاشعور، أخذت جلسات الصيف والحدائق تتلاشى وتعلن انسحابات طبيعية إلى داخل البيوت، بدأت معالم الشتاء من خلال ألبسة تلائم تلك الّلحظات ونسماتها الباردة، ونفوس الجميع تأمل أن يكون شتاء هذا العام أكثر ” حنيّة ” على الأبدان ، وبالشكل العام إن التحضير لاستقبال فصل الشتاء الأطول هو عنوان عريض على الجميع بنسب قد تكون ظالمة إلى حدّ ما بين ميسوري الحال وآخرين قُدّر لهم البقاء ضمن مغلّف الحاجة بين ضباب الجبال البعيدة.. الجميع (تقريباً) استقبل رسائل مازوت التدفئة تحديداً في المناطق الأكثر برودة والتي تتعرّض لموجات البرد ومفرداتها من ثلوج وعواصف مطرية قاسية، فهل تلك الرسالة الصغيرة من المازوت تفي بغرض إنعاش أبدان من سيكونون تحت وطأة الثلوج؟! قابعين على تلال عالية وبين أودية هم محاصرون تماماً بنعم السماء، تلك الرسالة على الأغلب سيتم حرقها بزمن قصير وربما قبل أن تبيضّ تلك التلال وتتقطّع الأوصال، وجميعنا على علم بأن الأوضاع الاقتصادية غير مؤهلة لضخ كميات كبيرة من المحروقات نظراً لاستعمالاتها المضاعفة خلال الشتاء ..

 

ومن خلال كل هذه الأوجاع نصل إلى الحلقة البديلة التي بدأت بالانقراض الطوعي والقسري (الحطب) وأسعاره المحروقة ضمن تجارة رابحة مستقرّها مقاهي الأركيلة ومدافئ الحطب، وسكّان جبالنا الراسيات وظروفهم القاسية حتّمت عليهم أن يكون الحطب درعهم الأوحد للتدفئة وطهي الطعام بغضّ النظر عن قوانين الحراج القاسية الرادعة لتلك العملية، فسكان المناطق الباردة كجرد الدريكيش والقدموس وصلنفة وكسب، هؤلاء لا ينعش عظامهم في الشتاء المثلج القاسي سوى نار الحطب، ومن خلال كل ذلك أما آن الأوان لاتخاذ قرار بشأن تلك الأشباح الجاثمة على سفوح وأودية أتت ألسنة الّلهب على أخضرها؟ تحديداً على الطريق الدولية الشمالية مرآة السياحة والاستجمام بكل الفصول، حيث تبدأ من وادي قنديل مروراً بزغرين وما يحيط ببلّلوران، أشجار كبيرة وصغيرة أشكالها أشبه بما خلّفته الحرب العالمية الثانية، هي كالأشباح المعلّقة على تلال بيض تنتظر قراراً يعيد تلك الطبيعة البكر إلى بداياتها، تُبعد عن أنظار المارقين بؤس المكان وسواده الحالك، والأكثر أهمية أنّ عوامل الطبيعة وتقلّباتها بدأت تتلاعب بخواص هذا الحطب الجاثم، قرار جريء يتضمّن توزيع تلك المخلّفات لسكّان المكان بأسعار مدعومة بعيداً عن البطاقة الذكية ومازوتها الخجول، ثم القيام بتهيئة تلك الجبال وإعادة غرسها بشكل مدروس وبأنواع مميزة من شتول الصنوبر الثمري والزيتون والخرنوب وكافة الأشجار الحراجية التي تتمتّع بمردود اقتصادي جيّد على مرّ السنين.

وللعلم سعر الطن الواحد من حطب التدفئة ٦٠٠ ألف ل.س فهل بمقدور سكّان الأرياف الباردة الإقدام على شرائه ؟ أم أنّهم سيكتفون بما خلّفته أشجارهم المثمرة وال ٥٠ لتراً المحروقة بأول أسبوع بارد؟!

سليمان حسين

تصفح المزيد..
آخر الأخبار