العـــــدد 9330
الثلاثـــــاء 9 نيســـــان 2019
الكتب رفيقة الإنسان ونبع معلوماته, وكما يقولون: (خير جليس في الأنام كتاب) وهي عقول الأجيال حُفظت في الورق على الرفوف وخلف زجاج المكتبات والخزائن، وتحمل في جنباتها عصارة الفكر والإبداع والعلم والنور والمعرفة والعلوم الإنسانية والتراث والسيرة الذاتية والمجد والحضارة على شكل كلمات وأسطر، وتحصّن الإنسان ضد مشاعر اليأس والملل وتضخ فيه نفحات الأمل والبطولة والزهو والفخار، حتى أن كتاب (ألف ليلة وليلة) أسهم بشكل مباشر وغير مباشر في صياغة المنهج العقلي والذاكرة الجمعية وأوقد جذوة الخيال، وقاد الاهتمام إلى المستغرب والمستظرف، ومتعة قراءة الكتاب في أرخص طبعة لا تقل عن متعة قراءته ولو كان مكتوباً بماء الذهب.
الكتاب عبارة عن قنبلة مضيئة تخترق حجب وعوالم يُمنع الاقتراب منها أو الوصول إليها وهو من أكثر وسائل نقل المعلومات شيوعاً، والكتاب الورقي المطبوع مازال متربعاً على عرش الوسائط المعرفية وقابلاً للنقل بكل الوسائل, ويملكه الغني والفقير، ولا يحتاج إلى أجهزة أخرى للاستفادة من مضمونه، وغالباً ما تكون مقدمة الكتاب هي كلمة السرّ وأول شيء وتهدف إلى تبيين غاية الكتاب ومحتواه، أو شرح تبرير تأليفه، أو الرد على ما عسى أن يوجه إليه ولكاتبه من نقدٍ.. تُعرِّف اليونيسكو الكتاب: (إنه مطبوع غير دوري لا تقل عدد صفحاته عن تسعة وأربعين صفحة، وإذا قل عدد الصفحات عن ذلك يصبح اسمه كتيباً).
الكتاب أساس المعرفة، ومازال يحتل مكانه المميز في عالم الثقافة والأدب والفكر والفن والقراءة والمطالعة والتعليم وهو أقدم وسيلة لتوثيق العلم والمعرفة ونقله من الشخص (المؤلف) إلى المتلقي (القارئ)، والمجتمع ومنه إلى العالم ليصبح بعدها عالمياً عابراً للحدود الجغرافية ثم يصبح تراثاً حضارياً إنسانياً عابراً للزمان والإنسان بمقدار ما يقرأ من الكتب يرتقي فعلاً وقولاً وعلماً وعملاً، حيث غذاء العقول قبل البطون … فهل هناك أجمل من معرفة لا يشبع العقل منها ولسان حاله يقول هل من مزيد..؟! الكتب الجميلة كالنساء الجميلات لا يمكن الاستغناء عنهن، تستفز عقل القارئ ووجدانه وتشحذ ذاكرته وتدفعه للتفكير والبحث عما ينهض بواقعه، والدخول إلى معترك مفرداتها تاركة له الخيار تبني أفكارها وتضعه في أجواء المتعة الخالصة، وهي القادرة وبدفق معلوماتها وأفكارها على منحنا المعلومة واكسابنا المعرفة ومنح ثقافة تغني وتسمن وتروي نهم العطش والبحث والتمحيص والاكتشاف.
يظل الكتاب بهياً ندياً متألقاً، فهو يمتلك سحره الأخّاذ وتلفّه هالات الجاذبية والجمال ولا يحتاج إلا إلى من يصطاد كنوزه ولآلئه، ويظل الأقدر على توثيق المعلومة الصحيحة بعيداً عن الاختراقات والتزوير ومحاولة تشويه حقائق التاريخ، ويلعب دوره بالمساهمة في التنمية الثقافية والفكرية والروح الوطنية وخدمة الأمة والوطن.
لم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكانة الكتاب الورقي أو حتى منافسته، مع أن هناك من يقول: إن الكتاب فقد بريقه وسحره بسبب العولمة والشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي التي تحتل العقول والقلوب ومحاولة الكتاب الالكتروني مزاحمته في ظل عالم التكنولوجيا والتقنيات الحديثة التي سحرت عقول البشر، فما أن يدخلوا إليها حتى ينسوا الخروج منها على حساب الكتاب وطبقاته الورقية التي تشد القارئ إلى معنى فكري وعمق ذهني، لكن الكتاب الورقي لا يزال يتربع عرش القمة ليس في سورية وحدها بل في العالم كله، ولم يستطع الانترنت سحب البساط من تحته وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية التي وصل فيها الناتج المحلي من طباعة الكتب 8,5 مليار دولار سنوياً متفوقاً على الإصدارات الالكترونية بما يقارب النصف مليار دولار.
يبقى الكتاب هو الأغلى والأهم دائماً وثبت في المنعطف الصعب وسط زحام الطفيليات والشوائب والبكتريات الثقافية، وأثبت أنه الأجمل والأقوى والأقدر على حمل رسالة الثقافة والتقدم . … علينا أن نعيد الكتاب إلى الموقع الذي يليق به وبث الوعي بأهمية القراءة وتداول الكتاب الورقي كقيمة معرفية لا يمكن الاستغناء عنها وخص الناس للعودة إلى صداقة الكتاب في زمن التكنولوجيا ومواقع البحث السريعة والهواتف الذكية، ومحاربة القرصنة والكتب المزورة وحماية المبدع ومنتجه الأدبي والثقافي والفكري، وجعل الكتاب شعبياً من تشجيع معارض الكتب كونها تظاهرة حضارية فكرية وثقافية لنشر الثقافة والمعرفة وتوثيق الروابط بين أبناء الوطن الواحد.
في عام 1942 سُجن جان جينيه لسرقة نسخة نادرة لأحد دواوين بول فرلين بعد أن تعذر عليه وهو الفقير المشرد شراؤها وعندما سُئل في التحقيق، (أتعرف ثمن هذه النسخة التي سرقتها) ..؟! أجاب: (لا بل أعرف قيمتها).
نعمان إبراهيم حميشة