الوحدة: 30-5-2022
اعتاد الكذب والخيانة منذ نعومة أظفاره، ولم يكن يقيم للصدق وزناً في أي شيء حتى لو كان الموضوع عابراً وبسيطاً فهو يفضل أن يكذب.
وهكذا مرت حياته مليئة بالأكاذيب ! وامتد حبل الكذب إلى مشاعره، فكان يخدع أكثر من امرأة بدءاً بزوجته التي اكتشفت، بعد فوات الأوان، أن الكلام المعسول لم يكن إلا كذباً وافتراءً، وأنه ليس على الهيئة التي يحاول إظهارها للناس حين يصور نفسه الحمل الوديع الذي لايغش أبداً، بل هو الضحية دائماً، والمخلص أبداً، ولكنها لم تستطع ذات يوم إثبات أي شيء عليه لتواجهه به.
وعاشت معه حياة مليئة بالشك والريبة والألم الذي يعتصرها، وهي تحس في قرارة نفسها بالخيانة، وحس المرأة لا يكذب، بل إن لدى المرأة من الشفافية في هذه الأمور مايجعلها متيقنة أن شيئاً ما يحدث، ولكن من دون وجود أدلة.
وكخبير مثله في ليً أعناق الحقائق، فإن اختلاق كذبة طازجة مسألة في غاية البساطة لشخص يعتبر الكذب خبزه وقهوته اليومية.
ومن المحزن أنه لم يكن يخبئ في قلبه ذرة من الحب والتقدير لأي أحد في الدنيا.
ومع أن الكذب قد ساعده كثيراً على الترقي والكسب، فإن هذا الترقي وذلك الكسب يعدان حراماً حتى لو أتيا من الوظيفة، فهو لم يقم بأي شيء يستحق عليه أي شيء، بل إن كل ما كان يقوم به هو التزلف والتملق ونقل الكلام وترويج الإشاعات، ووضع مديره في مواضع الشك من جميع العاملين الذين بعد فترة استطاعوا تحديد الشخص الذي يشي بهم أحياناً ويفتري عليهم في أغلب الأحايين، فلم يعد هناك زميل أو زميلة في العمل يقبل أن يتعاون معه في شيء أو حتى يتحدث معه.. ولكنه لم يكن يبالي بأحد سوى المدير الذي صار فريسة الشك في الجميع لكثرة مايسمع من أكاذيب مقنعة.
وهناك من المديرين من يكون مدار الفلك عنده كرسي الإدارة الذي يعده عرشه ولايريد مغادرته أبداً، فهو بالنسبة إليه كل حياته، وينسى أن الوظيفة، مثلها مثل أي شيء في الحياة، عرض زائل وظلٌ متحول، والإنسان الواعي هو من يعرف إذا وصل إلى أي منصب مهم، أن يملأه بالعمل والعطاء وتقدير الآخرين.
فالذي يبقى من متاع الدنيا كلها هو الذكر الحسن أو الذكر السيء، مهما طالت الحياة وامتدت الأيام وتلك من بديهيات الحياة ونواميس الوجود الدنيوي التي لا تتغير، فهي قانون ثابت طال العمر أو قصر، كما أن من نواميس الحياة أن يدفع الإنسان ثمناً لكل شيء، فلا يوجد أمر بالمجان، بل أن كل شيء له ثمن ووقت.
ولأن صاحبنا كان مخادعاً من الطراز الأول وكاذباً حاذقاً من الفئة الممتازة، فإنه كان فيما مضى يستحق أن يدخل موسوعة (غينيس) للأرقام القياسية لعدد الأكاذيب التي قالها في حياته إلى درجة يندر معها أن تجد له قصة واحدة صادقة، حتى أنه كان يتعمد أن يعطي الغرباء اسماً غير اسمه، على رغم عدم وجود داع لذلك، فهو يلتقي الشخص لمرة وقد لا يلتقيه ثانية فلماذا يكذب حتى في اسمه ؟!
إنه فيروس الكذب الذي أصابه في دماغه وانتشر في خلاياه التي أصبحت تعج بهذا الفيروس القاتل.
لمي معروف