العدد: 9317
21-3-2019
لا عجب في اختيار يوم 21 آذار للاحتفال كل عام بالشعر وتخصيص هذا اليوم ليكون رمزاً للشعر، هذا اليوم الذي تنبعث فيه الأرض متجددة بانطلاقة عطاء الطبيعة، ولتدنو الشمس قليلاً من البشرية، تدفئ أيامها، وتصفي سماءها، ويصير للجوّ عبقٌ يعانق عطر تفتّح الزهور، انبعاثةٌ توائم الشعر في ولادته من رحم الحياة دائماً، لأن الشعر دعوة دائمة للحياة، ووسيلة للتضامن الإنساني والتعاون الفكري حين يصل فيوصل.. هو فعل إنساني يسطّر ملاحم الحياة على كلمة، ولا عجب في دفء هذا اليوم أن يشاركه أعياد أسمى كعيد الأم، الأم الأرض والرحم والهبات بلا حدود، ويشاركه أيضاً الاحتفال باليوم العالمي للقضاء على التمييز العنصري ويضاف إليهم بأنه اليوم العالمي لمتلازمة داون واليوم العالمي للحياة والأرصاد الجوية وينضم إلى قائمة هذه الاحتفالات الاحتفال بيوم نوروز العالمي.
ورغم أنه تمّ إقرار اليوم العالمي للشعر بعدما اعتمدت الدورة الثلاثين لليونيسكو التي عُقدت في عام 1999 بباريس وقررت إعلان 21 آذار من كل عام يوماً عالمياً للشعر بهدف دعم التنوع اللغوي من خلال التعبير الشعري ولإتاحة الفرصة للغات المهددة بالاندثار بأن يستمع لها في مجتمعاتها المحلية، علاوة على ذلك كان الفرض أيضاً هو دعم الشعر والعودة إلى التقاليد الشفوية للأمسيات الشعرية، إلا أن الشعر لم تتراجع خطواته عند المجتمعات البشرية ورغم ما اختلف وتنوع وقيل عن الشعر إلا أنه بقي في بوتقة الشعور والإحساس يحمل حساً فكرياً ولغوياً وموسيقياً يتناغم مع جميع الحواس للدرجة التي عدّ فيها من الاحتياجات الجمالية وأداة للتواصل يعانق ضروباً من الجمال ورسماً بالألفاظ، قولب وتقولب مع أشكال مختلفة كالدراما الشعرية أو التراتيل أو النصوص الشعرية أو شعر النثر وكلٍّ في مجمله يحمل طاقة إبداعية خلاّقة مكافئة للذات في صناعة لغوية ترسم ذواتنا وتجتمع لتشكل ديوان الأمم وهويتها التاريخية.
وبالنسبة للعرب فقد حملت كل مرحلة طابعها الفكري والعقائدي الذي صبغ الشعر بطابعه حيث تأثر وأثّر في كل عصر منذ بدايته حتى العصر الجاهلي أو ما بعده والعصر الإسلامي ومن إلى يومنا هذا وما احتواؤه الذاكرة الإنسانية من أسماء ما زالت كلماتها ترددها الألسن إلى الآن، وعلى المستوى العالمي لم تتراجع خطواته أيضاً، ولعلّ ما يوصف به بأن الشعب الإنكليزي هو أمة الشعر في الوقت الذي ما زالت قاعات الشعر في بريطانيا تمتلئ بالحضور وما زالت دور النشر تطبع دواوينها الشعرية دون توقف.
ورغم انقسام الشعراء بين مدارس واتجاهات متعددة، لكلّ قناعاته الجمالية والفكرية، تطبعت بظروف الحياة على مدى العصور وتواليها، بقي الشعر هو الصورة النهائية للجمالية عند الشعوب ولذا أودعوه أسرارهم، فبالشعر قاوموا الحياة، وحدود التفكير، وسلطة الزمن، وعاندوا جبروت الصدفة، وصاغوا اللغة وطوّعوها، رسموا بها واقع ووقائع، حلّقوا مع حدودٍ وفضاءات اللغة ليصير للشعر كوكب آخر على كوكبنا، رسم عالمه وعوالمه عبر تعداد الزمن وتقولبه.
يقول جورج فيليهم فريدريش هيغل: ( الشعر هو الفن المطلق للعقل الذي أصبح حرّاً في الطبيعة والذي لا يكون مقيّداً في أن يجد تحققه في المادة الحسيّة الخارجية، ولكنه يتغرّب بشكل تام في المكان الباطني والزمان الباطني للأفكار والمشاعر).
ويقول إبراهيم ناجي الشاعر المصري: ( الشعر عندي هو النافذة التي أطلّ منها على الحياة وأشرف منها على الأبد، هو الهواء الذي أتنفسه، هو البلسم داويت به جراح نفسي عندما عزّ الأساة، هذا هو شعري).
ويقول أدونيس: ( بعد أن تستسلم الوردة للشمس وتذوي، ترث الريح الغبار الذهبي، وتقول للأرض عن أشلائها، هذه أغنيتي رُدّت إليّ).
وبقيت هذه الأغاني هي صناعة حقيقية قدرية لهوية طبعت جغرافية هذه الأرض بوجود انتصر وانكسر، ورغم الانكسارات المتتالية التي مرت إلا أن هذه الأرض، أرض الأبجدية الأولى كان النصر هو فاتحة كل قصيدة، وكان الشعر فيها سيّد المقال، توّج الكلمة على عصور مرّت، ونقشت على الأوابد تاريخ وملحمةٌ وإباء دلّت عليه حكايات الشعر الباقية إلى يومنا هذا وبقيت سورية تشعّ ثقافة، تضاعف فيها الحراك الثقافي خاصة المعنيّ بالشعر، ورغم أن مهرجانات سورية الدولية توقفت إلاّ أن عدداً كثيراً من المهرجانات المحلية بقي لحناً صادحاً في حنجرة السوريين، والأصوات السورية المهاجرة على جناح غائب جسداً وحاضر روحاً، وما زالت تخطّ القصائد الأجمل على منابر عالمية، تصدر الحب الذي يوشم قلبها الذي تركته من أيام الشعر السوري القديم مع أرخياس الأنطاكي وغيره، ولعلّ أجمل ما يمكن أن نهدي الشعر في يومه هذا قصيدة لهذا الشاعر الجميل وقصيدته (إله الحبّ) مع العلم أن الشاعر السوري أرخياس الأنطاكي هو شاعر ونحوي وسياسي سوري ولديه في العاصمة أنطاكية عاصمة سورية في الحقبة الهلستية سنة 118 ق.م وفي رواية أخرى عام 108 ق.م، سافر إلى روما ليتابع علومه وتعرف على شيشرون، له الكثير من الشعر المحفوظ باللغتين اليونانية واللاتينية نظم أشعاره في الحب والمديح والفلسفة وقصيدته (إله الحب) حروفها شعر منثور من قدم التاريخ إلى سورية سيدة الحب دائماً.
( إله الحب)
أنت أيها الطفل
إنك تسيء معاملتي
حسناً أفرغ سهام جعبتك
كلها في قلبي
لا تترك سهماً واحداً
سأكون الوحيد الذي يتلقّى ضرباتك
ولكن حين تودّ أن تصيب قلباً آخر
لن يبقى لديك أي سهم.
سلمى حلوم