الوحدة 6-1-2021
بعيداً عن أي كلام عاطفي، ونأياً بالنفس عن أي محاولة تبرير، وسعياً إلى حقيقة يرفضها كثيرون، واقتراباً من قدر لا نعترف بوجوده، فإن ما نقرأه ونسمعه ونتابعه من هجوم غير مبرر على (الدولة) بدءاً من مختار وانتهاء برئاسة مجلس الوزراء ليس هناك ما يبرر حدّته أو طريقة إلقائه..
لا نستطيع أن نجّمل الواقع، ولا نفكر بذلك، ولسنا نحن من يسعّر (البيضة) أو اللحم ولا حتى الدواء، وبإمكاننا أن نسكت بدل أن نفتح على أنفسنا جحيم بعض السادة المواطنين الذين يعتبرون الدفاع عن مؤسسات (الدولة) تهمة، أقلّها أننا مستفيدون!
طبعاً، نعترف ونحن بكامل الأهلية القانونية أننا مستفيدون، لأنه لو انهارت هذه (المؤسسات) لتحوّلنا إلى متسولين حقيقيين على كل شيء..
نشتم (البطاقة الذكية) ونتهمها بـ (الغباء) ولكن لو سلّمنا بعدم وجود هذه الآلية، على ما يتوفر لدينا حالياً من توريدات غاز على سبيل المثال، ونترك الأمر كما كان في السابق، أما كان زيدٌ سيحصل على (3) أسطوانات غاز مقابل أن يحصل عمرو على واحدة هذا إن حصل عليها؟
أما لاحظنا معاً، وقبل اعتماد البطاقة الذكية، ونظام الرسائل، كيف كانت عبوات (السورية للتجارة) تتكدّس في محلات السمانة وتباع بأضعاف سعرها المدعوم؟
لا أدافع عن مشروع (البطاقة الذكية) لمجرد الدفاع عنه، بل لأنه حلّ حقيقي، حضاري، مريح، ولن نلمس آثاره الإيجابية إلا حين توفر المزيد من السلع كماً وعدداً بموجب هذه البطاقة.. الحكايتان منفصلتان، مشروع البطاقة الذكية مشروع حيوي، أما عدم توفر السلع المحملة على البطاقة فهذا شأن آخر، وكلنا يعلم ظروف الحصار وعلينا تحمّل ذلك إلى أن يفرجها الله علينا..
الشكوى، الفوضى، الابتزاز، العجز، الحيرة، فلتان الأسواق، ضعف الرقابة، عدم جدوى هذه الرقابة.. كل هذه العناوين تُلصق كـ (تهمة) على الدولة!
المشكلة أنه لا يمكن الفصل بين (الدولة) وأدواتها، الدولة التي تحضر بصورة مراقب تمويني فاسد ومرتشٍ هي (متهمة) والدولة التي تشرع القوانين الرادعة (وإن لم تردع بسبب ضعف الأدوات) هي دولة حريصة على أبنائها..
فاتورة أي مشكلة، نحن كمواطنين ندفعها، والذهاب إلى أي حل غير ممكن من دوننا، وبالتالي، وقبل أن نوزع التهم علينا أن نراجع دورنا (السلبي) ونقف صادقين أمام أنفسنا..
الرقم (119).. كم شخصاً يستخدمه عندما يتعرض لـ (الغبن)؟ نبرر لأنفسنا بأنه لا جدوى من الشكوى، فنكتفي بـ (النق) بين بعضنا وفي أوقات فراغنا!
إذا كانت نسبة الاستجابة واحداً بالألف، فلماذا يقتصر عدد الذين يقومون بواجبهم على ألفٍ أو الفين، ويسكت على الظلم مئات الآلاف؟
المشكلة أننا كمواطنين غير مؤمنين بقيمة دورنا، ولهذا السبب لا نمارسه، ونتخلى بكل بساطة عن حقوقنا، بل ونستجدي عطف من يحاول سحقنا!
لم أقفز فوق الواقع، ولكن علينا أن نستمر بـ (دورنا) ونكرر المطالبة بحقوقنا إلى آخر العمر، فعلى الأقل نكون متصالحين مع أنفسنا، ومدافعين عن وجودنا، ونعلم أولادنا كيف يعرّون الخطأ، بدل تعليمهم الخنوع واليأس.
هناك تقصير كبير في مؤسسات القطاع العام، وهناك فساد، وهناك ما يجب اجتثاثه، وهناك من يستغل الأوضاع الحالية من أجل تعزيز مكاسبه الشخصية، ولا يختلف اثنان على هذه التفاصيل لكن الأهم هو نحن، ماذا فعلنا لمواجهة هذا الأمر وإلى أين وصلنا فيه، ولماذا وعلى سبيل المثال عندما نسعف شخصاً إلى المشفى وهو مهشم نقول ونشهد زوراً إنه سقط عن الشجرة، وهو الذي تسبب بحادث مروري على دراجة نارية غير نظامية؟
عندما نبدأ من هنا، من الصدق مع أنفسنا، يكننا أن نمتلك الحلول لكل أزماتنا المعيشية..
غانم محمد