دوير الشيخ سعد.. مجارير في الهواء الطلق وشوارع جاهزة (للحراثة)

الوحدة : 12-11-2020

حلب.. حمص.. إدلب.. سهل الغاب، ومن طرطوس نفسها، تشكل هذا المجتمع الجميل، فسيفساء رائعة من كل هذه المحافظات وجدت ضالتها في هذه البقعة، تزاوجوا وتقاربوا وأسسوا الورش والأعمال البسيطة مشاركة فيما بينهم، كلمة السر كانت انخفاض أسعار العقارات فيها مقارنة بالمدينة، كما أن موقعها المرتفع المطل على البحر وملاصقتها لمدينة طرطوس أعطاها الميزات التي حولتها خلال الأزمة من قرية بسيطة معدودة السكان إلى أكبر تجمع سكاني يضج بالحياة، فصارت ملجأ الموظفين وملاذ الفقراء من محدودي الدخل الحالمين بامتلاك منزل بسيط هرباً من الإيجارات المرتفعة والمكان الأنسب لجموع الوافدين الذين هجرهم بغاة الأرض فاستقبلتهم بكل رحابة صدر بلدة دوير الشيخ سعد.

قبل البدء نريد أن نلفت عناية السادة المسؤولين في محافظة طرطوس كلاً حسب مسؤولياته عن المشكلات الواردة في هذا التحقيق، أننا تلقينا 21 شكوى بالتمام والكمال، منهم من تفضل بزيارتنا إلى مكتب جريدة الوحدة بطرطوس ومنهم من راسلنا عبر البريد الإلكتروني لصفحتنا والقسم الآخر اتصل هاتفياً، عموماً فإن هذه الكثافة من الشكاوى التي أبلغنا بها إنما تعبر بمرارة عن رداءة الوضع الذي يعيشه سكان هذه المنطقة، واختصاراً فإنها تتلخص في مشكلتين أساسيتين، الطرقات السيئة والصرف الصحي بما يرافقه من الجور الفنية.

شوارع تصلح للفلاحة

المشهد الأول، الطريق الرئيسي الممتد من مفرق سوق الهال يبدو مقبولاً حتى نهاية (المنصف) مع تجاهل  بعض المطبات (الجبلية)، لكن أغلب  الطرق المتفرعة عنه 90% نحو الأبنية والحارات غير معبدة باستثناء بعض (المدعومين) وأصحاب الحظوة، ويبدو ذلك واضحاً بشكل مستفز.

المشهد الثاني، الطرق الفرعية المتفرقة إلى الحارات بعد نهاية (المنصف)، تبدو معبدة منذ فترة طويلة وقديمة الإنشاء، أصيبت بالتفتت والانزلاق ولم يعد يمكن التمييز إن كانت معبدة أم لا، باستثناء بعض الوصلات ونهاية الطريق المنشأة حديثاً، فالعوامل الجوية فعلت فعلها وحركة السير الكثيفة عليها دمرت ما تبقى، إجمالاً فإن عمرها الزمني قد انتهى فعلياً ولم يعد بالإمكان تسميتها بالطرق أو الشوارع أساساً (دروب بأحسن الأحوال).

المشهد الثالث، الشوارع بين الأبنية الطابقية المشادة حسب النمط الحديث في الحارات الجديدة حسب مخططات البناء في البلدية، والتي ننصحها – أي البلدية- باستقدام جرار وفلاحة هذه المساحات بأي محصول زراعي ينفع السكان في هذه الظروف المعيشية الصعبة ونراهنها بأن الإنتاج سيكون وفيراً كنتيجة حتمية لكثرة مياه الصرف الصحي المتدفقة عليها بما تحويه من سماد عضوي طبيعي، وحتى الجرار نفسه قد يجد صعوبة في التحرك، فوضعها الحالي ينطبق تماماً على وصف الأراضي (البور) أكثر مما يدل على أنها شوارع، والمثير للضحك فعلاً أن بعض هذه الشوارع (تسمية افتراضية) تم تعبيد الجزء الأبسط منها والذي هو غالباً الأمتار القليلة الملاصقة للطريق العام، أو الواصلة إلى بيت أحد المدعومين كالعادة، بينما ترك الباقي لسبب لا يعلمه إلا ذكاء أصحاب هذا القرار.

صرف صحي.. بالطبيعة

رغم أن قضية الصرف الصحي هي مشكلة المشاكل في محافظة طرطوس عموماً، وقد أعيت الأقلام الصحفية (وطلع على لسانها شعر) مع صفحات التواصل الاجتماعي من كثرة الكتابة عن ذلك، لكن بلدية – دوير الشيخ سعد- تنفرد بميزة إضافية زادت من (نتانة) المشكلة، ونثرت مزيداً من الروائح (الصرفية) بإبداع يعجز عنه فطاحل الهندسة البيئية في بلديات العالم أجمع، (ارتدوا الكمامات) ليس خوفا من كورونا، بل كيلا تصلكم روائح مشهدين سننقلهما لكم، مشهد اعتيادي ومشهد إعجازي خارق للطبيعة.

المشهد الاعتيادي، حفر فنية تنتشر قرب أغلب الأبنية والبيوت، يتم إفراغها كل أربعة أيام أو أسبوع على أبعد تقدير من قبل (صهاريج شفط) خاصة بالبلدية ويتكلف الأهالي مبلغاً وقدره  5000 ليرة بما يشكل عبئاً ثقيلاً يضاف إلى أعباء الحياة الأخرى، في أحيان كثيرة تفيض هذه الحفر مفجرة ماءها (الذلال) في أقبية الأبنية أو الطرقات وناثرة عطرها (الفواح) في الأرجاء بعد تأخر البلدية في الاستجابة بسبب شدة الطلب وعدم إمكانية إفراغ هذا العدد الكبير من الحفر، يضاف إلى ذلك صعوبة وصول الصهاريج إليها بسبب الطرقات الرائعة التي تكلمنا عنها.

انعدام وجود شبكة صرف صحي في معظم الحارات اضطر الأهالي إلى هذه الحلول المكلفة التي ظنوا أنها مؤقتة بعد كثرة الوعود ليتبين أنها طويلة الأمد، فأصبحت من المشاهد الاعتيادية… للأسف.

المشهد الإعجازي، سميناه بهذا الاسم لعجزنا تماما عن فهم ما يجري، فأنابيب الصرف الصحي لبعض الأبنية على ندرة وجودها، تم مدها بشكل عشوائي واعتباطي إلى أحد طرفي الوادي الصغير الذي يقسم البلدة إلى قسمين وتركت تصب فيه، هكذا وبكل بساطة، بكل عبق روائحها النتنة التي أصبحت تجري بين شقي البلدة لمسافة نصف كيلو متر طول تحقيقاً لمزيد من عدالة شم الرائحة بين السكان (وما حدا أحسن من حدا)، ولكي ننقل لكم أجواء هذا الوضع، فإن أجهزتنا التنفسية بدءاً من الأنف وانتهاء بالرئتين لم تتحمل الاقتراب من هذه المصبات لشدة رائحتها، واكتفينا بتصويرها من بعيد وقوفاً على سطح أحد الأبنية لتكون الإطلالة أيضاً شديدة (الرفاهية)، لا ينتهي المشهد هنا بل يشتد سوءاً، فالأنابيب في بعض الأماكن لم تصل إلى الوادي حتى، بل تركت تصب بشكل مقزز بين الأبنية السكنية المأهولة، قاطني أحد البنايات أرشدونا لرؤية وضعهم الشنيع بوجود مستنقع للمياه الآسنة على مدخل البناء ونمو الأعشاب بفعل هذا السماد العضوي حتى أصبحت تضاهي أشجار السافانا، و لا داعي للكلام عن أسراب البعوض والجرذان لأنه أصبح من نوافل القول بطبيعة الحال (شيلو الكمامات).

مع رئيس البلدية

 أثناء إعدادنا هذا التقرير كان نائب رئيس البلدية مكلفاً بشكل مؤقت فانتظرنا إلى حين يتم انتخاب رئيس بلدية جديد، أسبوعان وتم تعيين المهندس علي حلوة، فضلنا الانتظار بعدها لمدة شهر على أقل تقدير وتأخير كتابة هذا التقرير تجنباً لتحميل مسؤولية الأخطاء السابقة لمن لا يحملها، مع إتاحة الفرصة لإظهار نية العمل الفعلي، اتصلنا وحددنا موعداً ثم تلاقينا…

لا ننكر أن الحماس كان بادياً عليه، نية العمل موجودة بوضوح، لاحظنا ذلك قبل الدخول بعد انتظارنا لنصف ساعة – متقصدين – على مدخل البلدية لرؤية المراجعين، في المجمل لا ننكر على الرجل صدق النوايا وخصوصاً بعد حديث طويل وشاق تتميز به جلساتنا في البلديات عموماً.

ثلاثون مشروعاً تمت دراستها وإنشاء المخططات والكلف المالية له، ساعدت المحافظة بتقديم معونة بسيطة لتعبيد (تزفيت) وصلتين قصيرتين في مكانين مختلفين بقيمة ثلاثة ملايين ليرة سورية، تمت دراسة واقع النظافة لتحسينه أكثر بالتعاون مع المجتمع المحلي، تم إعداد دراسة وسيباشر في تنفيذها لمد الصرف الصحي في (حارة المتينيات) بمساعدة عضو المكتب التنفيذي لشؤون الصرف الصحي – جابر حسن – والذي تابع الموضوع بشكل شبه يومي وذلل العقبات بقدر كبير، قمنا بتحسين واقع الجباية لتوفير أرصدة  ذاتية أكثر للبلدية تتيح لنا تمويل مشاريع أكبر، الانتهاء من دراستين مفصلتين لطريقين مهمين يخدمان أكبر الحارات الموجودة وننتظر إمكانية التمويل من الوزارة في ميزانية العام القادم… هذا كان ملخصا لحديثنا الطويل معه، ولكن الأهم كان في شيء آخر تماماً.

نريد آذاناً صاغية

المرسوم التشريعي 107 لعام 2011 المتضمن قانون الإدارة المحلية يقول:

 البلدية،  كل تجمع سكاني أو مجموعة تجمعات سكانية يتراوح عدد سكانها بين 5001 و 10000 نسمة.

البلدة، هي كل مركز ناحية أو تجمع سكاني أو مجموعة تجمعات سكانية يتراوح عدد  سكانها 10001 و 50000 نسمة.

ومن هنا تبدأ المشكلة فعلياً، فعدد السكان المقيمين هو ليس ضعف هذا الرقم بل أضعافه، وعلى وجه التقريب فإن الرقم يتراوح بين 30000 إلى 35000 على أقل تقدير وجلهم من الوافدين، وببساطة شديدة يظهر لنا حجم المخصصات والمساعدات الهزيلة للبلدية بتعداد سكانها الرسمي بينما هي تحتاج لمخصصات بلدة، وكمثال على ذلك سنذكر قصة مخصصات التدفئة (المازوت) التي لا تكفي ربع السكان حسب هذا التصنيف، فالمرسل منها مخصص لعشرة آلاف فقط ، أي ما يعادل الربع تقريباً، ثم يزداد الطين بلة لأن المخصصات لا تأتي كاملة أساساً، فلا يأخذ حقه من السكان إلا ربع الربع (عد وقس على هذا المنوال).

وأيضاً نقص كوادر ومعدات

كالعادة التي درجت، وفي كل تحقيق قمنا بإعداده بما يخص البلديات كنا نواجه نفس المشكلات تقريباً، نقص الكوادر والمعدات مشكلة مزمنة لا يبدو أن المسؤولين يلقون بالاً عليها ، فبلدية الدوير لا يوجد بها شرطي بلدية، ولا حتى جابي، ورغم وجود مخالفات متعددة بحاجة لمتابعة دائمة تقف البلدية شبه عاجزة أمام تنظيم ضبوط لهذه المخالفات في ظل غياب شرطي بلدية يقوم بهذه الأمور، ومن الطبيعي أن تكون عملية تحصيل قيمة الرسوم والمثقفات متعثرة لعدم وجود جابي، ثم يطلب من البلديات رفع سوية عملها وقمع المخالفات وتحسين واقع الجباية (كيف بتظبط ).

أما المعدات فحدث ولا حرج، قديمة، معطلة وتحتاج لصيانة مع القضية الدائمة المرافقة وهي نقص المخصصات من المحروقات والتي تعرقل إتمام عمليات النظافة وشفط الحفر الفنية بشكل كامل.

(الوحدة) كانت هناك، تفاعلت مع كل من تواصل معها بخصوص هذا الموضوع، لم تهمل أياً من الجوانب أو المشكلات التي تم التطرق إليها سواء من المواطنين أم من البلدية، استمعنا للطرفين ونقلناها بكل مسؤولية لسيادتكم، ومن هنا ينتهي عملنا ويبدأ عملكم.

كنان وقاف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار