عصر زيتون الأراضي المحروقة دون مقابل… قلة الإنتاج وزيادة تكاليفه ترهق عمل أصحاب المعاصر في الحفة

الوحدة: 8-11-2020

 

يظهر الحال الذي وصل إليه موسم الزينون لهذا العام الترابط العضوي بين مختلف الحلقات الإنتاجية والتسويقية والاستهلاكية فقد اجتمعت ظروف الطبيعة المتمثلة بانقطاع الأمطار والحرارة العالية في فترة العقد والازدهار مع الحرائق التي أتت على مساحات واسعة من الأراضي المزروعة بهذا المحصول مع التكاليف العالية لمستلزمات الإنتاج (حراثة، تقليم، أسمدة، نقل، مبيدات زراعية وأجور العصر، لترفع أسعار المادة في الأسواق إلى مستويات قياسية لم تعرفها من قبل بعد تجاوزها حاجز الـ 100 ألف ليرة سورية وكل ذلك نتيجة قلة الإنتاج وعدم تلبيته للطلب المتزايد على زيت الزيتون والذي زاد في ظل ارتفاع أصناف الزيت الأحرى المطروحة في الاسواق إلى مستويات غير مسبوقة أيضاً وهو الأمر الذي أرهق في النهاية المستهلك الذي أضحى وفي ظل الظروف الحالية الصعبة يحسب ألف حساب للحصول على هذه المادة الاساسية على موائدنا.

هموم أصحاب المعاصر

وفيما شمل هذا الوضع كما أسلفنا جميع الحلقات المعنية لمحصول الزيتون الذي تعد سورية البلد الرابع عالمياً في إنتاجه فإن لأصحاب المعاصر همومهم الخاصة بهم والتي لا تنحصر فقط في قلة الإنتاج التي اضطرت بالبعض منهم إلى عدم فتح أبواب معاصرهم كون تكاليف التشغيل والصيانة العالية قد توقعهم في الخسارة ضمن حسابات الحقل والبيدر ناهيك عن أن البعض افتتح معصرته لتخديم زبائنه الذين اعتادوا عليه منذ سنوات طويلة.

وقد زادت الحرائق التي حدثت في الساحل ومنها منطقة الحفة من معاناة أصحاب المعاصر الذين فقدوا قسماً كبيراً من زبائنهم نتيجة لهذا الحريق الذي أتى على حوالي2800 دونم من الأراضي المزروعة في الزيتون وهي المساحة التي خسرت معها وعلى سبيل المثال لا الحصر قرية دفيل 90% من زيتونها وذات الحال لبكاس التي خسرت 60% ووادي الحفة الجنوبي الممتد حتى الدلبة الذي وصلت نسبة خسارته إلى 90% أيضاً كما يقول محمد إبراهيم صاحب معصرة سليم إبراهيم التي تعد من أقدم معاصر منطقة الحفة التي لا تزال تعمل بالطريقة التقليدية المعتمدة على الماء التي تعطي للزيت مذاقاً طيباً وخاصاً نتيجة لعدم تعريضه للحرارة الذي قال بأن هذا الوضع انعكس سلباً على عمل المعاصر التي بات بعضها ينتظر اكتمال الرزق اللازم لتشغيل معصرته بعد أن كان يحار كيف يرضى زبائنه بحجز دور لهم في  السنوات الماضية مضيفاً أن ذلك ترافق مع جملة من الصعوبات التي تلف العمل وأهمها المضاربات التي تحصل ما بين المعاصر لتخفيض الأسعار لجذب الزبائن والتي وصلت الأسعار إلى مستويات أثرت سلباً على أصحاب المعاصر الصغيرة التي تشغل عدداً أكبر من اليد العاملة والتي تعاني كغيرها من صعوبة تأمين مادة المازوت التي تم رفع سعرها على المعاصر إلى 650 ليرة لليتر بعد اعتبارها منشآت صناعية علماً بأن المخصصات اللازمة للمعاصر غير متوفرة في الكازيات وهو يضطر المعاصر للحصول عليها من السوق السوداء بأسعار تقارب الألف ليرة سورية وهو الأمر الذي يحملهم أعباءً مادية كبيرة لتشغيل معاصرهم التي ضاعت بين المازوت الصناعي والزراعي.

وأضاف إبراهيم إلى هذه الصعوبات ما تعلق بارتفاع تكاليف نقل مياه الجفت والتي تصل إلى 25ألف ليرة وسط مطالب إلى وزارة الزراعة لتأمين الصهاريج اللازمة لنقل المادة بشكل يخفف من الأعباء التي يتحملها أصحاب المعاصر والمزارع على حد سواء مضيفاً إلى هذا وذاك أمر تأمين اليد العاملة الخاصة بالمعاصر والتي بات أجرها يصل إلى 7000 ليرة سورية كحد متوسط ناهيك عن الارتفاع الكبير الحاصل في تكاليف الصيانة وفي أسعار قطع التبديل أيضاً التي تباع بأسعار مرتفعة وغير واقعية وغير متناسبة مع أسعارها العالمية وذلك نتيجة لاحتكارها من التجار الذين يعلقون هذا الأمر إلى ظروف الحصار الظالم الذي تتعرض له بلدنا الحبيب علماً بأن أغلب القطع الموجودة في الأسواق مغشوشة وتباع على أنها ألمانية أصلية في الوقت الذي هي في الحقيقة من منشأ صيني سيء وليس جيداً.

أسعار غير مسبوقة

ويبين إبراهيم أن حال الموسم وقلة الإنتاج ونقص العرض عن حدود تلبية العرض قد زاد أسعار صفيحة الزيت عن حدود الـ 90 ألف ليرة سورية وأكثر محملاً ذلك لارتفاع أسعار الزيت النباتي وأجور القطاف التي وصلت إلى 200 ليرة سورية للكيلو الواحد من الزيتون وأجور النقل بعد رفع أسعار المازوت والبنزين وقلة الإنتاج وارتفاع تكاليف زراعة الزيتون (حراثة ـ أسمدة ـ مبيدات…) لافتاً إلى أن هذه الأسباب مجتمعة أوصلت سعر صفيحة الزيت إلى مستويات غير مسبوقة وهو الأمر المعرض للتفاقم فيما لو تم السماح بتصدير هذه المادة الرئيسية على موائد السوريين.

أسعار الزيت والصناعات الملحقة به

وحول انعكاس أسعار الزيت على الصناعات المرتبطة به ومنها زيت الصابون المستخرج من بقايا الزيتون والفحم والصابون (صابون الغار الذي تشتهر به سورية) ومواد التجميل والشامبوهات قال إبراهيم وهو المنتج لأصناف وصلت إلى العديد من الأسواق الخارجية بان ارتفاع  أسعار زيت الزيتون والغار والمادة المصبنة (هيدروكسيد الصوديوم) أو ما يعرف بالقطرونة رفع تكاليف الإنتاج وأسعار المنتجات إلى حدود كبيرة منوهاً بأهمية هذه الصناعة الهامة التي يمكن أن تشكل مورداً اقتصادياً هاماً لخزينة الدولة و التي يمكن أن تخلق مجالاً كبيراً لعمل شركة  واسعة من الباحثين عن العمل و تستثمر مادة أولية موجودة في أسواقنا و تحقق فيها مضافة كبيرة عليها لاسيما و أن مجالات التسويق الخارجي متاحة جداً و أن سمعة المنتج السوري من هذه المنتجات حسنة نتيجة لاعتمادها على الخبرة الواسعة المتراكمة عبر سنوات طوال و مطابقتها للمواصفات المحلية و القياسية العالمية المعتمدة مؤكداً أن كل هذه المزايا تستدعي إبلاء المزيد من الدعم و الاهتمام لهذه الصناعة التي لاتزال تعتمد على المبادرات الفردية إن كان على صعيد التصنيع أو التسويق والترويج الخارجي المتمثل بالاشتراك في المعارض الخارجية التي لاتزال في أغلبها معتمدة على الجهد الخاص على الرغم من أهمية هذا الأمر على صعيد التسويق الخارجي لهذا المنتج الأهم الذي يشكل رافداً مهماً للخزينة العامة ولاسيما في هذه الظروف التي تحتاج فيها لزيادة موارد القطع الأجنبي التي تشكل هذه الصناعة واحدة منها ولاسيما في ظل الفارق في أسعار الصرف حيث أنه سعر كيلو الصابون الذي يصل في أسواقنا إلى 2000 ليرة سورية يصل في الأسواق الخارجية إلى ما يتراوح بين 5-6 يورو منوهاً في هذا السياق بالدعم الكبير الذي تقدمه الأمانة السورية للتنمية على صعيد تسويق المنتج الخاص بهذه الحرفة و لمختلف الحرف الأخرى بشكل عام.

و ختم ابراهيم حديث بالإشارة إلى المبادرة التي قدمها أصحاب بعض المعاصر في منطقة الحفة و المتمثلة بعصر زيتون أصحاب الأراضي المحروقة بدون مقابل وذلك كنوع من التكافل والتضامن معهم و التخفيف من حجم الخسارة التي تعرضوا لها نتيجة حريق أراضيهم.

نعمان أصلان

تصفح المزيد..
آخر الأخبار