العدد: 9303
الأحد: 3-3-2019
رغم الظروف الصعبة التي نعيشها منذ سنوات استطاعت دور النشر السورية المحافظة على محتواها الفكري والثقافي.
دائما البداية هي الأصعب، والبداية هنا هي صناعة الكتاب، وتأمين لوازم الطباعة، ومن ثم يأتي دور الرقابة، وبعد ذلك يأتي غلاء الأسعار الذي حد كثيراً من انتشار المؤلفات الأدبية.
وبسبب غياب القارئ السوري الذي أبعدته ظروف الحياة الصعبة المتعددة عن اقتناء الكتب الأدبية، وربما تقصير دور النشر المحلية، اضطر الأدباء إلى اللجوء إلى دور نشر خارجية بحثاً عن وسائط لترويج مؤلفاتهم. ويبقى سعي المواطن السوري وراء لقمة العيش وأولويات الحياة سبباً في ابتعاده عن ما ينشر حديثاً.
ما نحاول القيام به في هذا الاستطلاع، هو محاولة رصد بعض الآراء لأدباء محليين، ومن خلال حوارات قصيرة مع عدد من الأدباء حدّثونا عن رأيهم حول أداء هذه الدُّور وما هو الدَّور الذي تلعبه في مسيرة مؤلفاتهم؟
بدايتنا مع الأديبة هدى وسوف: تتضمن عملية النشر إعداد وطباعة الكتب المختلفة، وللناشر كما للمؤلف دور بالغ الأهمية في الحياة الثقافية والتوعية الاجتماعية، تحتاج عملية النشر إلى طرفين مؤلف وناشر، وهي علاقة وطيدة لا يمكن لأي طرف أن يقوم بها بمفرده دون الآخر، وهذه العلاقة يفترض بها أن تسمو وترتقي عن مجرد توقيع عقد يرتب التزامات على كلا الطرفين، سواء مادية أو معنوية، لأن قيمة الفكر والثقافة التي يجب أن تسود مناخ الكتابة والنشر هي أرفع من أية التزامات مادية، وهذا يتوقف على دار النشر وما هي غايته من دار النشر خاصته ، هل غايته تحقيق الكسب المادي والربح ؟ أم هي الإسهام في نشر الفكر والثقافة ودعم المواهب بحيث يرضي ويقبل الناشر مبلغاً متواضعاً ومعقولاً لطباعة الكتاب، إذ تقف التكاليف المادية الباهظة لطباعة الكتب ونشرها عائقاً أمام الكثير من المواهب الأصيلة والمبدعة حقيقة، وغير خافٍ على أحد أن دور النشر الأجنبية تتحمل تكاليف الطباعة والنفقات المادية، وتمنح المؤلفين والأدباء مبالغ مالية أيضاً مقابل كتبهم وأعمالهم، وهذا لا يحدث في البلدان العربية ودور النشر، وللإنصاف لا يمكن ان نحمّل الناشر عبء هذه المسألة لأن الواقع المادي المتردي والأوضاع السيئة في بلداننا تطال الجميع وتلقي بظلها على لكتّاب والناشرين معاً.
ولكن المسألة الأهم التي يجب على الناشر أن يعنى بها هي مسألة توزيع الكتاب ونشره على أوسع مدى، كي يصل إلى الآخرين ويحقق الغاية المرجوة منه … وهي القضية التي تشغل ذهن المؤلف بعد انتهائه من الكتابة، التي استهلكت منه جهداً وتعب أعصاب واستنفاذاً للمشاعر والأحاسيس، وأحياناً البحث والتدقيق بحسب نوع الكتاب ومجال تخصصه، ولأن للكاتب مقولته، ولديه أفكاره ووجعه ويريد أن يشارك الآخرين به ليتقاسم معهم الفرح والحزن وتفاصيلاً أخرى في الحياة، ولهذا على الناشر أن يرقى عن أن يكون داره مجرد مطبعة تنسخ الكتب وتغلفها ثم تسلمها للكاتب، معتبراً بذلك أن دوره انتهى هنا، وعلى الناشر أن يسعى لتوزيع الكتاب في الأوساط الثقافية المهتمة بالفكر والكتابة، والمعنية بنشر الوعي الاجتماعي والفكري، وبذلك تكتمل هذه العلاقة الإنسانية والأخلاقية التي تجمع بين مؤلف يقدم روحه مسكوبة على الورق، لناشر كيما يلبسها هذا الناشر حلّة بهيّة تليق بها.
الأديبة أمل لايقة: السلبيات تأتي من بدء التفاوض مع صاحب الدار وكأننا لسنا أمام عمل فكري وجهد إبداعي بل أمام تجارة وعرض وطلب ويشعر الكاتب بأن كل هذا الذي اشتغل عليه لا يساوي شيء أمام (كم ستدفع الآن لأبدأ في الطباعة فوراً )! ثم يأتي دور عدم قدرة الناشر على تقسيط المبلغ مما يجعلك تختنق وتتردد وأحياناً تتراجع عن الطباعة وبعد أخذ ورد يوافق على البدء ويتعاون معك ولكن لا تسويق ولا معارض بسبب تكلفة ذلك وو….وفي النهاية تطبع النسخ وتتراكم في بيتك وعلى سريرك وتحت طاولتك وفوقها لتنتظر تسويقها بقدرة قادر ونتحمل كل هذا من أجل ألا تموت الأفكار وألا يُمحى أثر الكتابة.. نتحمل كي نوقظ فراشات روحنا من سباتها ونجعها تحلق في فضاء الأدب ولكن.. كيف يتنفس الفضاء إن وضعت على أجنحته إحباطات لا حدود لتفجيرها في وجه الحالم ؟ أما الإيجابيات فهي عادة تأتي من فرح الكاتب بأن عمله طبع وأن جهده تم تتويجه في توقيع للكتاب وفي استمتاع القراء بما أنجزت. الإيجابيات تأتي من طاقة داخلية تترصدها روح الكاتب في عيون الأصدقاء والأحبة أثناء مرورهم على هذا العمل أو ذاك وتبقى الروح تتجاوز المادة لتحلق في عوالمها بعيداً عن تأثيرات وجع الواقع وخيباته.
الأديب نعيم ميا: بداية أودّ أن أتوجّه بالشكر لصحيفتكم الغرّاء التي كانت وما تزال الناطقة بلسان حال أبناء المجتمع السوري ولاسيّما المحلّي منه وأقصد أبناء محافظتي اللاذقية وطرطوس الساحليتين، إضافة إلى تسليطها الضوء على مختلف موضوعات الحياة اليومية ما بين الشأنين العام والخاص بما يصبّ في المصلحة العليا للوطن.
أمّا بالنسبة لموضوع دور النشر فهذا أمر فيه الكثير من النظرة الشخصية ووجهة النظر الفردية النابعة من تجربة الكاتب ذاته مع هذه الدار أو تلك إذ نجد بعض الكتّاب يتذمرون من هذه الدار وينحازون لتلك وهذا بحد ذاته يصبّ في وجهة نظري التي سقتها قبل قليل .
لا يستطيع أحد أن ينكر أنّ دور النشر عبارة عن مؤسسة تجارية بوجه من الأوجه أي أنها ذات هدف اقتصادي ربحي في منحى من المناحي وإن كانت تقوم على نشر الثقافة والمعرفة بين أبناء المجتمع، كما تعمل على إيصال صوت الكاتب إلى مختلف شرائح المجتمع، وكما لا يمكننا أن ننكر أنّه كما لبعض الكتّاب آراء في هذه الدور فإنه كذلك لأصحاب هذه الدور أيضاً رأيٌ في بعض الكتّاب من جوانب عدّة لعلّ منها على سبيل الذكر لا الحصر (الانتماء والهوية – الجنس الأدبي – الشخصية …إلخ) أي بعض الدور تشتغل في الشعر وتروّج له في بعضها يعمل على تناول الدراسات والبحوث، وبعضها ينظر إلى شخصية الكاتب وطريقة تعامله مع صاحب الدار (مادياً – مهنياً)، ولعلّ ما يلفت الانتباه وبشكل مثير للحديث في مجاله ألا وهو غياب فكرة النشر عن هذه الدور، إذ نجد أن أغلبها يعمل فقط وكأنه عبارة عن مطبعة فقط لا أكثر، يتناول المخطوط لطباعته بعيداً عن المهمة الأساسية ألا وهي النشر والتوزيع وذلك لمبررات يسوّق لها بعض أصحاب هذه الدور ألا وهي انعدام ثقافة القراءة والمطالعة، أي انعدام الاهتمام بالشأن الثقافي العام ممّا يجعلهم يبتعدون عن ذلك.
وهنا لابد من الإشارة إلى أنّ مقولة تراجع القراءة وندرة القرّاء في زمن التواصل الاجتماعي فإني لا أؤيد هذا القول، لسبب بسيط أليست متابعة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي تحتاج إلى قراءة ، إذاً ليس هناك تراجع في موضوع القراءة بل هناك اهتمام أكثر من اللازم بالشأن المادي، وتبقى دور النشر صاحبة دور ريادي في نهضة المجتمع ولا يمكن لنا أن ننكر أنها من عوامل النهضة العربية في مطلع القرن الماضي .
ريم ديب