المحنة الأرمنية الإنسانية… قديماً وحديثاً

الوحدة 6-10-2020   

 

في عملٍ ممنهجٍ قام حكّام الدولة العثمانية بارتكاب المجازر ضد الشعب الأرمني وملاحقته وتهجير جميع سكان القرى والمدن الأرمنية وطردهم بالقوة من رجال ونساء وأطفال ولعلّ مذبحة الأرمن عام 1915 عصيّة على النسيان وهي من مذابح كثيرة مثيلة لها أو أقل شأن منها من حيث العدد لا من حيث الأسلوب والتنفيذ وراح ضحية تلك المذابح الممتد تاريخها بين عام 1915 وحتى عام 1920 قرابة المليون ونصف المليون من الشعب الأرمني أزهقت أرواحهم بطرق يندى لها جبين الإنسانية وقد دوّنت هذه المجازر في عدد من الوثائق والكتب التي تبرز الأعمال الشنيعة التي تعكس الوحشية اللامتناهية التي ارتكبها الأتراك العثمانيون بحق الشعب الأرمني وقد أشارت هذه الوثائق بأن حكّام الدولة العثمانية هم دمى تلهو بها الصهيونية وأنّ سلاطين بني عثمان وكبار قادتهم ما هم إلاّ من أحفاد شعب الدونما اليهودي الانتماء وهذا ما وثّقه وبشكل رائع المؤلف جميل سليمان الراهب في كتابه: أناهيد… الطفلة الأرمنية الشاهدة على مذبحة الأرمن في تل عفر عام 1915 مقدماً الوثائق والشهادات التي تبيّن همجية الأتراك و وحشيتهم والشهادة الأولى للورد برايس العالم البريطاني حيث قال: أخذ الأتراك يداهمون بيوت الأرمن ويقودوهم إلى الشوارع وأخلوا جميع المدن والقرى من سكانها حتى أصبحت خاوية ثم يأخذون الرجال إلى مكان منعزل والقيام بإطلاق النار عليهم أو بطعنهم بالحراب.

 كما كانت النساء يجردن من ثيابهن ويرغمن على الرحيل عاريات تحت أشعة الشمس الحارقة كما بيع عدد آخر منهن في سوق الرقيق…

 أمّا الشهادة الثانية التي ذكرها المؤلف (الراهب) فهي للمؤرخ أرنولد تويبني الذي قال: في صبيحة أحد الأيام امتلأت الشوارع في جميع المدن برجال الدرك المحليين وقد أشهروا سلاحهم وحرابهم واستدعى الحاكم جميع الرجال الأرمن، القادرين الذين كانوا قد أعفوا من الخدمة العسكرية وطلب منهم المثول أمامه تحت طائلة عقوبة الموت وقد وجدت كلمة (الأقوياء أو القادرين) تفسيراتٍ عديدة، أي أنّها شملت أي شاب عمره بين الخامسة عشرة والسبعين واقتيدوا إلى خارج البلدة وكان قطاع الطرق وبعض القبائل الكردية تنتظر مجيئهم على التلال القريبة لإبادتهم وهكذا شهد أول وادٍ أول إبادة جماعية وكان الدرك عندما ينهون مهمتهم يقفلون عائدين إلى المدينة فقد تلقّى النساء والمسنون والأطفال الذين تلقوا ما تبقى من الأرمن إنذاراً بمغادرة بيوتهم على الفور.. وهكذا واجهت عائلات بأكملها مصير الفناء أو الابتعاد عن بيوتها وأراضيها ونقلها إلى أماكن مجهولة وختم المؤلف حديثه بشهادة القنصل الإيطالي العام في  (طرابزون) حيث قال بهذا الخصوص لقد كانت عملية إبادة وذبح للأبرياء بحق شيء لم يسمع به من قبل، صفحة سوداء ملطخة بالانتهاك الصارخ لكل الحقوق الإنسانية والوطنية قدسية ،فمرور مجموعات المنفيين الأرمن تحت نافذة وأمام باب القنصلية وسماع توسلاتهم وصلواتهم، في الوقت لم يكن بوسعي ولا بوسع أحد أن يفعل شيئاً للاستجابة لتوسلاتهم، والمدينة محاصرة حيث يتمركز عند كل نقطة أعداد كثيرة من العسكر بكامل عتادهم الحربي وآلاف من رجال الشرطة وعصابات من المتطوعين وأعضاء من جمعية الاتحاد والترقي، والعويل والتوسلات والابتهالات والحرائق وإطلاق النار على الضحايا في المدينة وأساليب التفتيش بأساليب وحشية في البيوت والأرياف ومئات الجثث التي تلقى يومياً على طول الطريق وأخذ الأطفال بعيداً عن عائلاتهم، أو وضعهم بالمئات على ظهر سفينة لا يرتدون شيئاً سوى قمصانٍ ثم إغراقهم في البحر الأسود…

 إنّ هذه المآسي هي ذكرياتي التي لن تمحى أبداً من طرابزون وذكريات تعذب روحي وتكاد تفقدني عقلي.

ندى كمال سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار