وحدهم ذوو الدخل المحدود يسددون ضرائبهم بأمانة

الوحدة: 19-7-2020

 

 

ريثما تنتهي وزارة المالية من صياغة مشروعها الجديد للنظام الضريبي سيبقى المواطن يدفع الضريبة أكثر من مرة وربما وحدهم ذوو الدخل المحدود يسددون ما يتوجب عليهم من ضرائب رغم شعورهم بالغبن لأنهم الشريحة التي تسدد ضريبة الدخل قبل أن يصل الراتب إليهم ولأنهم يجبرون على دفع نفقات ورسوم تحت مسميات كثيرة ولعل أبرزها ما يعرف برسم الإنفاق الاستهلاكي الذي تطور عما كان يعرف برسم الرفاهية ويرى البعض أنه تم تغيير التسمية خجلاً لأن هذا الرسم لم يعد له علاقة بالرفاهية أو الكماليات وإنما بات يطارد المستهلك في أبسط احتياجاته، وفي الوقت الذي تسعى فيه الجهات الوصائية إلى كسب ود الصناعيين والمصدرين بإدراج مواد معفاة من الضرائب نجد أن صاحب الدخل المحدود محكوم برسوم إن فكر يوماً أن يحتسي كأساً من الشاي في أي مقهى فأي مفارقة هذه وأي عدالة ضريبية تحكم هذه القضايا؟

بالأرقام

يعد الموظفون والعاملون في الدولة الأكثر التزاماً بتمويل الخزينة العامة ويوضح الخبير الاقتصادي أيهم أن الضريبة على الرواتب والأجور تصاعدية تبدأ بمعدل 5% وتصل في حدها الأقصى إلى 22% لكل مبلغ يزيد عن 75000 ليرة سورية، ولا شك أن هذا الرقم يعتبر ضخماً إذا علمنا أن ضريبة الأرباح على الشركات هي حوالي 35% فقط أما ضريبة الدخل المقطوع لأصحاب المهن الحرة من أطباء ومهندسين وأصحاب ورش فهي لا تصل إلى 10% وهكذا نجد أن ضريبة الدخل للموظف هي الأعلى، ولعل النقطة الأهم أن الموظف هو الوحيد الملتزم بالسداد لأن الضريبة تقتطع من راتبه أولاً بأول أما الفئات الأخرى فيمكنها التهرب وكثيراً ما تفعل ولو أن كافة المكلفين التزموا بتسديد ما يترتب عليهم من رسوم وضرائب لكانت قيم التحصيل أضعاف ما هي عليه.

ووفقاً للقانون رقم 25 للاستعلام ومكافحة التهرب الضريبي، الذي نص على أن (يعاقَب المخالف في حالات التهرب الضريبي المنصوص عليها بالحبس والغرامة المالية بمقدار200% من الضريبة، والرسم السنوي عن سنة واحدة من التكليف أو جزء من التكليف محل التهريب، لتتضاعف العقوبة في حال التكرار)، وقد وزع القانون تلك الغرامات المحصّلة على النحو التالي: نسبة 70% للخزينة، ونسبة 10% للأشخاص الذين يكتشفون المطارح الضريبية المخفاة، ونسبة 10% للمصادرين، ونسبة 10% للعاملين في وزارة المالية، أي أن القانون قد أعطى حوافز مالية لمكتشفي التهرب قد تدرّ عليهم أموالاً طائلة وبشكل قانوني أيضاً ولكن احدا لا يبحث في هذا الاتجاه وكأنه باب مغلق حتى حين.

حتى المنشآت السياحية التي تتعاطى رسوماً محددة من كافة زبائنها تحت اسم رسم الإنفاق الاستهلاكي كثيراً ما تجد طريقاً للتهرب الضريبي وذلك بالالتفاف حول عدد الزبائن ومن هنا تأتي أهمية إنجاز موضوع أو قانون الفوترة الذي من شأنه ضبط كافة المطارح الضريبية بعيداً عن العاملين في الدولة، لأن الأسلوب المتبع حالياً يحمل الكثير من المرونة التي تسمح للمكلف بإعلان الرقم الذي يرغب بالإفصاح عنه فقط ويمكنه إخفاء ما يشاء ويبقى هذا ضمن هامش المناورة بين الطرفين، وإذا ما عدنا إلى ما كان يعرف بالرفاهية الذي يعود تاريخ العمل به إلى عام 1987 والذي تم تعديله إلى رسم الإنفاق الاستهلاكي الذي ووفقاً لآخر تعديل طرأ عليه أصبح رسم البيع للسيارة على سبيل المثال يدفع مرة واحدة فقط في حين كان يدفع عند كل عملية بيع، وهنا لابد من التمييز أن الدفع لمرة واحدة قد يكون أفضل للخزينة العامة ولكن الذي سيدفع هذا المبلغ بات مغبوناً كونه سيدفعه عنه وعن الآخرين ممن سيشترون هذه السيارة.

أين الرفاهية؟

ومن باب رفع الغبن في تفاصيل موضوع رسم الإنفاق الاستهلاكي يرى الكثيرون أن هذا الرسم يجب أن ينحصر بالبضائع المستوردة ولا يشمل المنتجات المحلية، حيث نجد هنا أنه تم إعفاء البضائع المنتجة محلياً في حال تصديرها للخارج، وإذا كان رسم الإنفاق الاستهلاكي وحسب تعريفه ضريبة على السلع والخدمات الكمالية فهل يعقل أن تحتسب المياه والمشروبات الغازية والأجهزة الكهربائية المصنعة محلياً من السلع والخدمات الكمالية حتى يصار إلى قرض رسم الإنفاق الاستهلاكي عليها وعلى الشوكولا والمستحضرات الغذائية التي تحتوي على الكاكاو  أو تستخدمه؟

كما طال رسم الإنفاق الاستهلاكي كافة الخدمات والأنشطة وكذلك خدمات مطاعم الوجبات السريعة وصالات الشاي المصنفة بفئة نجمتين، أين الرفاهية والكماليات في شراء وجبة سريعة مع كأس من الشاي وشمل رسم الإنفاق الاستهلاكي وبنسبة تصل إلى 10% كافة عقود تأجير السيارات السياحية وصالات الأفراح المؤجرة لإقامة الحفلات والأعراس بنسبة 5% وكذلك الأمر بالنسبة للمياه الغازية والمشروبات الغازية وعصائر الفواكه وخليط العصائر، حتى الأجهزة الكهربائية الخاصة بتكييف الهواء وتعديل الحرارة والرطوبة.

قد تكون هناك مواد تستوجب رسم الإنفاق الاستهلاكي كالرخام والمرمر والغرانيت لكن إذا كان الرخام وطنياً فلماذا الرسوم؟ وهناك من يسأل لماذا يتم فرض رسم الإنفاق الاستهلاكي على تذاكر السفر ضمن الجمهورية العربية السورية.

بقي أن نشير أن هذه التساؤلات تبقى مفتوحة وبرسم وزارة المالية التي تعمل على إنجاز قوانين البيوع العقارية والضريبة على المبيعات والضريبة الموحدة على الدخل والأهم استكمال مشروع قانون الفوترة نظراً لأهميته في إثبات عمليات البيع والشراء والحد من حالات التهرب الضريبي وتبقى إشارة أخيرة إلى أن ما يتم تقاضيه من رسوم على بعض الفواتير ليس دائماً لصالح خزينة المالية وإنما قد يكون لصالح جهات أخرى نجدها مدونة أسفل الفاتورة.

هلال لالا

تصفح المزيد..
آخر الأخبار