فاصل.. ولن نواصل

الوحدة 16-7-2020  

 

 أبي أعطني نقوداً أريد أن ألعب مع أصدقائي! جملة يكررها الطفل بشكل شبه يومي في أذني أبيه لتطرق جيوبه قبل مسامعه، أطفالنا هذه الأيام أضحوا أسرى الألعاب الالكترونية في متاجر الأنترنت، يذهب الطفل مع أصدقائه من أجل أن يلعب معهم بشكل افتراضي منفصل رغم تواجدهم في مكان واحد يبيعهم وهم متعة الطفولة. يعود الطفل إلى منزله ليطنب سمع والديه ببطولاته التي خاضها في معركته الالكترونية الافتراضية، كيف قتل أصدقاءه مستخدماً شتى أنواع الأسلحة، كيف سطا على البنك، كيف احتجز الرهائن، كيف جمع المال غصباً واشترى به الذخيرة، كيف شكل الجماعات والقبائل، كيف بنى مفاعلات الطاقة ومعامل السلاح، كيف دمر المدن ونهب المزارع، كيف روض الوحوش وجندها في جيشه، كيف أضحى قائداً في وهم الديجيتال ثلاثي الأبعاد…! وهم الديجيتال سجن أطفالنا في أبعاده الافتراضية الثلاثة وحرمهم آفاق الطفولة الحقيقية الممتدة ومتعة اللعب التشاركي وفائدة حركته ونحمد الله أن الأندية العالمية وشركاتها القابضة على أرباح كرة القدم لازال في صالحها الترويج لهذه اللعبة وزيادة شعبيتها من أجل زيادة الأرباح الأمر الذي يجعل الأطفال يحبون هذه اللعبة ويسعون دوماً إلى ممارستها على أرض الواقع سواء في الحدائق أو الأندية ما يسهم في كسر الجمود الذي تسببه شاشات الوهم الافتراضي.

أما الطفلة التي لا تهتم بخوض المعارك أو ملاحقة المستديرة الساحرة فالحديث عنها ذو شجون، من المعلوم أن لكل طفلة دمية صديقة تشاركها الحديث والمأكل والمنام وتعيش معها في عالمها الخاص وتسر إليها بما لا تسره إلى أمها، لكن شيئاً ما يحدث اليوم يجعل الطفلة تخاصم دميتها بل يجعلها تنظر إليها بنظرات ازدراء واحتقار! الطفلة تتابع برامج الأطفال في فضائياتهم وبين البرامج فواصل دعائية، وفي هذه الفواصل تكمن الكارثة، عشرات المشاهد المرفقة بالأغاني تروج لدمى كالأميرات تبهر عيون الطفلة وتشعل مخيلتها الغضة فالدمية فائقة الجمال مكتملة الأناقة شعرها غجري منثور يسافر في دنيا الطفلة، عيناها ساحرتان قدها مياس ضامرة الكشحين درماء الكعبين هيفاء عيطاء لمياء غيداء، لها قصرها وكلبها وحديقتها وسيارتها وملابسها وزينتها وحليها وأدوات رياضتها وعالمها الذي تحلم الطفلة أن تشاركها فيه بعد أن كان العكس هو الحاصل مع دميتها البلاستيكية البلهاء ذات الوجه المتخشب والمفاصل المتكلسة والثياب الرثة والعيون الجاحظة والشعر الأشعث والكرش المحدب، تقارن الطفلة في لاوعيها بين الدمية الأميرة في شاشة التلفاز والدمية اللقيطة القابعة أمامها فيدفعها وعيها إلى مطالبة أمها بدمية التلفاز وعند هذا الفاصل الاجتماعي العائلي تجحظ عينا أمها ويشعث شعرها وتنتفخ رقبتها ويتخشب وجهها وتتكلس مفاصلها وتتدلى جيوبها وتصبح أقرب ما تكون إلى البلهاء البلاستيكية التي أهدتها يوماً إلى ابنتها في عيد ميلادها.

سقى الله زمناً كان الصبيان يعودون فيه إلى المنزل مغبرين معفرين جيوبهم ملأى بالدحاحل والخمسة أحجار بينما تنام البنات وفي أحجارهن دمى إسفنجية تشاركهن الأحلام والحكايات.

شروق ديب ضاهر

تصفح المزيد..
آخر الأخبار