الوحدة 16-5-2020
قد لا يختلف المشهد إلا في بعض جزئياته الصغيرة، أما فحيح الأسعار فهو نفسه في كلّ مكان، والمواطن الذي يسابق ظلّه لا يعرف من أين يرتق همومه، وكلّ ما اعتقد أنّه أغلق نافذة دخلت عليه عاصفة الغلاء من باب جديد!
توقعتُ، وأنا أجول على عدد من المزارعين في سهل عكار أن أجد لديهم بعض الطاقة الإيجابية، حيث كانت أسعار منتجاتهم جيدة في هذا الموسم، واعتقدت أن (الرضى) سيّد الموقف، خاصة وأن المواسم ما زالت شغّالة، لكن الوجع كان أكبر لديهم، وهم في طور شراء مستلزمات إنتاجهم للموسم القادم، لنقف وإياهم عند وجع لا يطيّره إلى صبرهم على ما امتهنوه، وعشقهم للأرض التي لم يتخلوا عنها يوماً ما..
ذهبتُ مع بعضهم إلى الصيدليات الزراعية أو مراكز بيع مستلزمات الإنتاج، واستمعتُ بصفة (مراقب)، فكان الأقسى عندما يسألون عن سعر (ظرف البذار أو لفّة النايلون) أن الجواب الذي يسمعونه هو: الآن سعر لفّة النايلون (270) ألف ليرة، وقد تكون غداً بـ (300) ألف ليرة!
الأمر يفقد المزارع أمانه، ويدخله في دهليز لا يعرف كيف يخرج منه، الآن سعر المستلزمات الإنتاجية كاوٍ، والعادة أن يراقبوا السوق لعل السعر ينخفض قليلاً، لكن التجارب السابقة زرعت العلقم في انتظارهم، وأصبحت مقولتهم الشهيرة أنّ ما يرتفع سعره محال أن يتراجع، أي عليهم أن يشتروا وأمرهم على الله!
ولا يقتصر تذبذب الأسعار وارتفاعها على الوجع من حيث الكمّ، بل هناك وجع آخر وهو عدم القدرة على الشراء (على الموسم) وهي عادة دارجة وخاصة لدى صغار المزارعين، حيث كانوا يشترون مستلزمات الإنتاج ويسددون ثمنها بعد الموسم مع زيادة بسيطة على الأسعار، أما الآن إن وُجد من يبيعهم (على الموسم) فإنهم يشترط عليهم أن يحاسبهم بالسعر عند التسديد إن ارتفع هذا السعر، وبسعر اليوم إن انخفض، ما صرف البعض منهم عن الزراعة، وتحوّل قسم إلى عمّال زراعيين في أراضيهم!
يجب أن يكون هناك حلّ جذري، من أجل أن تستقر العملية الزراعية، ومن أجل أن يبقى المزارع مرتبطاً بأرضه.
غانم محمد