العدد: 9557
الأربعاء: 25 آذار 2020
لم يخب ظننا بتجار الأزمات في تعاطيهم مع الأزمة الصحية المستجدة، بل برهنوا أن أخلاقهم في الحرب هي ذاتها أخلاقهم في الوباء، فهم أحبوا المال وعبدوه، وداسوا على كل القيم الإنسانية مستغلين أوجاع الناس وخوفهم على لقمة أبنائهم، ومن نصب نفسه تاجر حرب قبل تسع سنوات، لم يتردد في الإعلان عن هويته كتاجر أوبئة وأمراض.
لن نزيد في توصيفاتنا لهذه الأنواع من البشر، فمن تقوده غريزته ولا شيء غيرها، يقارب في نهجه وحوش الغابات، إلا أنه قد يسبقها أحياناً في طريقة اختيار الفريسة، فهو يملك إلى جانب غريزته عقلاً شيطانياً يمكنه من معرفة (الصيدة) الأسهل.
صدق السيد الرئيس بشار الأسد عندما وصّف الأزمة بأنها أزمة أخلاق، فمن لا يتمتع بأدنى حد منها، لن ننتظر منه أن يقف مع بلده، وأهله، وجيرانه، ولن نسأله إن شبع من دمائهم، لأننا نملك الإجابة سلفاً.
في ظل غياب الأدوات الرادعة لهؤلاء، نغفل عن أداة نملكها ولم نفّعلها طوال سنوات الحرب، فكلنا نادينا بالمقاطعة، ولم نقاطع، بل شاركنا بشكل أو بآخر في الهجوم على الأسواق لاقتناء مادة قد تُفقد من السوق، وساهمنا برفع سعرها نتيجة زيادة الطلب عليها، والسبب كان ولا يزال هو فقدان الثقة بالآتي، وعدم التفكير بحاجة الآخرين لنفس المادة.
بالأمس قفزت أسعار البيض والفروج إلى سقف لم تصله من قبل، والسبب بحسب تصريح رسمي لمدير عام الدواجن هو الطلب الكبير للمواطنين على المواد، بقصد تخزينها للأيام القادمة، وهذا الكلام حقيقي وواقعي، ويمكن مشاهدته بإطلالة صغيرة على محلات الفروج والسمانة.
وبناء عليه، نكون نحن من رفعنا الأسعار وليس التاجر، فلو اعتدلنا في الطلب، لما وصل السعر إلى هذه السقوف العالية، ولما أعطينا التاجر ذريعة التلاعب بمدخراتنا الضئيلة، فمن بات على ثمن دجاجة، استفاق على ثمن جوانحها فقط.
ما نتحدث عنه بخصوص هاتين المادتين ينطبق على الخبز والخضار والفواكه والكحول والكمامات، وعلى كل شيء ارتفع منسوب استهلاكه في الأيام الأخيرة، والنتيجة المتوقعة مع انتهاء هذه الأزمة، ستكون كارثية على حياة المواطنين أكثر مما كانت في الحالة الطبيعية، ويبقى بعض الحل في أيدينا إن أردنا أن (نصحصح) من غفوتنا.
تخيلوا معنا أن نصوم يومين عن تناول وجبات الدجاج من دون إنذار مسبق، وفكروا كيف سيكون حال محلات بيع الفروج، وكم سيكون الدرس قاسياً لمن يأمرها بزيادة الأسعار (ونعني هنا حيتان السوق)، ألن يقفوا على رجل واحدة؟ ألن يضطروا مرغمين للاعتدال في تسعير المادة؟ ألن تعود هذه الخطوة البسيطة بالفائدة على كل شرائح المجتمع؟.
للأسف، اعتدنا على الاتكالية، وانتظار الحلول السحرية، وقدمنا استقالات جماعية من الدفاع عن مكتسباتنا، واستسهلنا الأمور بتحميل المسؤولية للوزير والمدير فقط، متجاهلين أننا شركاء في جزئية الدفاع عن النفس ضد تاجر جشع لا يرى نصب عينه إلا تكديس المال.
عندما يدخل الذئب إلى قطيع من الأغنام، يستطيع ذبحه بسهولة ويسر، لأنه لا يجد مقاومة، بل يستسلم الجميع لشعور مسبق بأنه عنصر فتاك، وهذا ما نفعله جميعاً أمام الذئاب البشرية عندما نسلمهم رقابنا بلا أدنى حد من المقاومة.
غيث حسن