العدد: 9531
الأثنين 17-2-2020
الدلالة الاصطلاحية للتراث تعني كل ما يتصل بالإرث الحضاري من فكر وعلوم وعادات وثقافات، وقد ارتبط مفهوم التراث بشخصية الأمة وخصوصيتها.
والتراث المادّي يتجلّى في العمارة بأشكالها المختلفة وتراث الحجر شاهد على فلسفة كل عصر، وإن بلدنا هي مهد الحضارات وعرفت الاستيطان البشري الأول وعرفت الملاحم الأولى من أوغاريت التي سبقت ملاحم الإغريق بآلاف السنين،
وهناك ملايين المخطوطات الباقية، وهي سجلّ لجميع العلوم من إنسانية وبحثية وتطبيقية، وهناك التراث الروحي وغير المكتوب ويتمثل في منظومة القيم والعادات والتقاليد، والثقافة الشفوية من حكم وأمثال وفولكلور شعبي بما فيه من تراث موسيقي وغنائي، وأهازيج وحكايات، ولكل أمة تراثها الخاص.
أما الحداثة فهي ضد القديم لغوياً وقد اصطلح الباحثون على أن الحداثة عمليات تتم لإحداث تبدلات في المجتمع لتطويره وهي تصطدم بالرؤية القديمة أو التقليدية، فينشأ صراع بين التراث والمعاصرة وتثار تساؤلات عديدة، هل تكون الحداثة هدفاً لكل ما هو قديم وتقليدي؟ وهل عرف تاريخ الحضارة العربية الإسلامية دعوات للتغيير والتحديث؟ وهل نفهم الحداثة من خلال النموذج الغربي؟ وهل ينبغي فرض الحضارة الغربية على كل ما يخالفها؟ وهل يرتبط مفهوم التجديد بمفهوم الإبداع؟
وقد اختلفت المواقف من مفهوم الحداثة الغربي فهناك من بهرتْه الحضارة الغربية فدعا إلى قبول ما يردُ منها في المجالات جميعها، وهناك دعوة إلى الرفض المطلق لكل ما يردُ من تلك الحضارات، وهناك دعوة لرفض الفكر الغربي والقبول بالتقنيات والإنجازات العلمية والصناعية.
وقد وصلْنا إلى مرحلة عدم التوازن في موقفنا من إلغاء الثقافة الوطنية نتيجة القوى الخارجية وهذا ما نراه من خلال تفكيك الأواصر الثقافية المشتركة في الوطن العربي.
ونحن حين لا نقبل الانغلاق على الماضي أو التبعية للآخرين، فماذا نفعل لإعادة التوازن بين التراث والحداثة.
ينبغي ربط المكونات التراثية بالأسس الفكرية لأمتنا وينبغي الحرص على الرؤية العلمية الموضوعية للتراث واستخدام علوم العصر في قراءته ومن الضروري التركيز على الجوانب الحضارية المشرقة في التراث الذي يدعو إلى احترام الآخر والحوار والتسامح. والتسلح بالعقل النقدي المرن، وتحقيق المخطوطات وإنشاء المعاهد المتخصصة والاهتمام بالتراث الشعبي.
عزيز نصّار