العـــــدد 9518
الأربعـــــاء 29 كانون الثاني2020
يُقال عن شخص بأنه خفيف الدم والظل فيُستلطف حُضوره ولا يُمل عشرته ويُقال عن آخر بأنه ثقيل الدم والظل فتتجنبه الناس وتنفر منه، فما هو ذلك الميزان الذي يُظهر الفرق والتباين بين مختلف تلك الأصناف البشرية، وعملياً في واقع الأمر ليس هناك ميزان محدد ولا معياراً دائماً فعندما تتجلى في روح الإنسان روح الدعابة تُطرب مجالسته ويَخف دمه وتُستمتع مناقشته، وإذا فقدها يشعر المحيطون به بثقل وطأته ونشافة جبلته ويكون كلامه كالحجارة المرشوقة في آذان المستمعين وحركاته وأنفاسه صخوراً صماء على قلب كل من حوله.
إن روح الدعابة تلازم دائماً الذكاء والأدب، فالأديب الذكي هو صاحب طرفة وخفيف الدم ولطيف المعشر، وبنظرة بسيطة إلى حياة أغلب الأدباء و الشعراء على مرور الأيام تجعل هذه النظرية متحلية بالصدق، كما أن روح الدعابة الكامنة في النفس يجلوها الأدب وأصالة المنبت ومهما كان تعريفها فهي لا تخرج عن حالة أو حادثة تُشاهد فتدعو المرء إلى الضحك بعفوية في جو من الدهشة والإعجاب وما يزيدها تحبباً هي أن تكون وليدة الذكاء وتوقد الذهن من خلال التلاعب على الألفاظ والمعاني من ناحية دغدغة المشاعر وإبهاج القلوب ومحاكاة العقول، ويشعر الإنسان في هذه الأيام العصيبة بأنه أحوج إلى وسائل التسلية المترعة وروح الدعابة ومجالات المرح منها في أيام السلم والراحة والرخاء لأن روح الدعابة والنكتة كما قال برناردشو تحلو في تلك الأيام العصيبة والصعبة، فالصدر المثقل بهموم الحياة وضغط مشاكل المعيشة يحتاج إلى ما يُنسيه من همومه ويُسليه من غمومه ويُروح عنه قليلاً من آثار ما يُثقل كاهله.
وكما أن كل امرئ يحتاج إلى الطعام ليقتات ويتغذى وينمو كذلك يحتاج أيضاً إلى ما يُضحكه ويُسليه ويُؤانسه لأن صورة الضحكة والدعابة للنفس كالطعام والشراب للجسم ولكل شعب من شعوب المعمورة نوع مختلف من الدعابة لا تَقرها عليها الشعوب الأخرى لتجلي شيء مميز وفريد من أخلاق كل مجتمع في عاداته وطباعه، وتحلو الدعابة وتزداد رونقاً إذا عُرف قائلها و كيفية النظر إلى الظرف الذي قيلت فيه وطريقة فهمه، وقد تميز القدماء بأنهم كانوا أكثر ظرافةً ودعابةً على أبناء قومهم وحتى على أنفسهم أحياناً فقد انصرف معظم الأدباء عن معالجة الشؤون الشخصية وانغمسوا في عالم الأدب الظريف والدعابة المحببة إلى درجات مدهشة رغبة منهم في حمل مواطنيهم على نسيان ما خلفته مآسي الحياة في نفوسهم من آثار، وفي تصفح غالبية المؤلفات على اختلاف أنواعها فإنه يندر جداً ألا يوجد فيها أثراً للظرف الراهن حينها وجنوحاً إلى المرح والدعابة إضافة إلى بصمة واضحة لاختصاص الكتاب في صدق معالجة الموضوعات الحياتية والجدية في قالب هزلي بصورة لا تُجارى وليس لها أي مثيل وبذلك تتجلى للقارئ والمتلقي بحق روح الدعابة الحقيقية مع كل ما فيها من فوارق.
د. بشار عيسى