قراءة في فكر سعد الله ونوس في محاضـــرة أدبيـــة فكريـــة

العدد: 9457

الثلاثاء: 29-10-2019

 

من لا يعرف أن الأحلام تشكل لبنات جوهرية في مشروع متماسك؟ ومن لا يعرف أن أهم الأشياء كانت مجرد أحلام فردية أو جماعية قبل أن تنجز؟ إن كل شيء يبدأ صورة في الخيال قبل أن يتحقق، بهذه المقدمة استهلّ الدكتور محمد إسماعيل بصل محاضرته التي حملت عنوان: (قراءة في فكر سعد الله ونوس) وذلك في صالة الجولان بمقر فرع اتحاد الكتّاب العرب في اللاذقية.

بداية أوضح المحاضر أنّ الحلم هو جوهر المشروع الونوسي، وعندما يستفز الحلم سعد الله، فإنه يسارع إلى مسرحته وتحويله إلى دفقة فكر تنويري لطالما أحسّ المتلقي العربي أنه بحاجة إلى مثل هذه الدفقات في دورته الدموية القاحلة، فهي بالرغم من الوجع الذي تخلفه وراءها علاج ناجع لخروج من حالات الترهل والرقاد والبكاء والهروب، إلى آخر هذه الحالات التي تفنن كثيرون في إسقاطها على هذا الزمن العربي إلا أن سعد الله لا يكتفي بالتوصيف، ولا يقتنع بالتنظير، بل يحاول أن يكون فعالاً في كل ما يفعله والمسرح بالنسبة لسعد الله كان حواراً بين مساحتين: الأولى هي العرض المسرحي الذي تقدمه جماعة تريد أن تتواصل مع الجمهور وتحاوره، والثانية هي جمهور الصالة الذي تنعكس فيه كل ظواهر الواقع ومشكلاته، وإذا كانت فعالية سعد الله تتجلى في الدفاع عن العقل ونقد التاريخ واستنهاض الحلم فإن الصورة التي تتراءى في خياله وتقلقه هي صورة الإنسان العربي ذي العقل الموضوعي الفعال أما التراث الشامل الذي يريده سعد الله فهو تراث يصمد ويزعزع الفكر الرجعي الذي يريد تأييد التخلف، تراث يفتح في ثقافتنا الراهنة حقلاً معرفياً يعزز الحرية ووعي الذات وإمكانية التقدم ويحتاج التعاطي الحر مع التراث إلى فكر ووعي كما يحتاج إلى جرأة وشجاعة.
وأشار بصل إلى الدور التنويري الذي يريد ونوس من المسرح أن يلعبه، إنه دور فعال في حفلة سمر من أجل 5 حزيران، والفيل يا ملك الزمان، ومغامرة رأس المملوك جابر، والملك هو الملك، وسهرة مع أبي خليل القباني، وفعال في ملحمة السراب، ويوم من زماننا، وطقوس الإشارات والتحولات، ومنمنمات تاريخية.
لقد وصلت الرؤية الونوسية إلى ضمير المتلقي، واستطاعت أن تحث عقله على البحث والاستقصاء، إنّ النص المسرحي عند ونوس لا يقدم الواقع، بل يقدم منهجاً لقراءة هذا الواقع ومن هنا يأخذ المسرح مكانته الحقيقية، ربط الفكر مع الفن في سياق متناغم فعال فهو يبحث في القضايا المصيرية بمنتهى الوضوح والبساطة والجرأة، وقال بصل: إن عبقرية سعد الله وقوته تجسدتا في صراعه مع الموت، هذا الموت الذي أصرّ على أن يضرب موعداً معه، ولكن سعد الله استطاع أن يصبر ويؤجل هذا الموعد كي يقول كلمته في هذا العالم الكئيب وفي هذا الزمان المخمور.
إن الأمر الجوهري لدى ونوس هو أن نعترف نحن بإبداعاتنا، ونوفر الإمكانيات ليزدهر ويتواصل العطاء من البداية إلى النهاية، كان جريئاً بنقد تاريخه، لا يهمه إلا البحث عن صيغ علمية تجعل أمته قادرة على الدخول في معركتها ضد قوى الظلام التي اخترعت فيما بعد نظاماً عالمياً جديداً.
كان ونوس مسكوناً بالهموم العامة والقضايا الكبرى يفتش ويطرح المناهج للنهوض والارتقاء بالثقافة العربية.
وختم د. محمد بصل محاضرته قائلاً: كنت ممدداً يا سعد الله تنهال عليك الزهور والدموع وضجيج الزغاريد ووشوشة القبلات، كنا جميعاً معك نردد بصوت واحد: إننا محكومون بالأمل، مع أنك قلت لنا قبل أن تودعنا بقليل: إن أيامنا مخمورة وأحلامنا شقية.

رفيدة يونس أحمد

تصفح المزيد..
آخر الأخبار